وتَنعِقُ الحيوانات، وتحترقُ الصخور؛ فتنهار وتنتشرُ منها الأتربةُ تخنقُ المجموع .. وتتناثرُ الجنادل، فتصيبُ الرؤوس، وتنفجرُ الذخائر، فيَعُمُّ الدَّمار، وتنتشرُ جُثَثُ الموتى، وبرغم كلَّ هذا، ما زال الرجالُ يجاهِدون للخروج من بطنِ الأرض، فتنطبقُ عليهم، ويَقبُرُهم الجماد".
° ثم تستطرد كاتبةُ "الجزائر الثائرة" فتقول: "ويُقبِل الصباحُ، وتتولَّى فرقةٌ من الجنود الفرنسيين -يتدلَّى الصليبُ على صُدورهم- مُعاينةَ الأتُونِ الذي صَبَّوا فيه النيرانَ في أثناءِ الليل، فيرتدُّ منهم البصرُ من هولِ ما يَرَون، ففي مدخل الغَوْر انتشرت هياكلُ ثيرانٍ وحميرٍ وخِرافٍ حَدَتْ بها الغريزة صَوبَ مخرج الكهف، لاستنشاقِ الهواء الذي عُدِم بالداخل، وتكدَّست بين هذه الحيوانات، ومِن تحتها جُثثُ رجالٍ ونساءٍ وأطفال، وشُوهِد رجلٌ ميت وهو جاثٍ على رُكْبتيه، وقد أمسكت يداه قَرْنَ ثورٍ نافِق، وبجواره امرأةٌ ميتةٌ تحتضنُ بين ذراعيْها طِفلَها الميتَ، مما يَدُل على أن الرجل قد اختنق وهو يُدافعُ عن امرأتِه وطِفلِه اللذَيْنِ اختَنَقا أيضًا من هجومِ الثوْر عليهما أثناء الحريق.
وفي سراديبِ هذه المغاوِرِ الفسيحةِ، وجَدَ الجنودُ الفرنسيون (٧٦٠) جُثةً، أخرجوا منها (٦٠) مُسلمًا يُعانون سَكْرةَ الموت، ما لَبِث أربعون منهم أنْ قَضَوا نَحْبَهم، وعشرةٌ منهم حَمَلتهم سياراتُ الإسعَاف، والباقون أُطلِق سراحُهم ليعودوا إلى مساكنهم، عِبرَةً لمن لا يعتبر، ولم يَبْقَ من حُطامِ الدنيا سوى الدَّمع القاني يذرفونه على الدَّمار العميم" (١).