للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليسوعَ المسيح والقديس بُولس على المسيحية، وعلى المستوى الدينيِّ الخالص، يُمكن أن يكونَ تأثيرُ محمدٍ في تاريخ الإنسانية مِثلَ تأثيرِ عيسى -وأكثر من هذا-.

وعلى العكس من عيسى، فإن محمدًا كان زعيمًا دنيويًّا كما كان زعيمًا دينيًّا، وفي حقيقةِ الأمر وبصفته القوةَ المحركةَ للفتوحات العربية، يمكنُه أن يكونَ أكثرَ الزعماءِ السياسيين تأثيرًا عَبْرَ كلِّ العصور، وقد يمكنُ القولُ: إن كثيرًا من الأحداثِ التاريخيةِ الهامةِ كان محتَّمًا وقوعُها حتى دون وجودِ الزعيم السياسي المعين الذي وَجَّهها، ولكنْ مِثلُ هذا القولِ لا يُمكنُ أن يَنطبقَ على الفتوحاتِ العربية، فلم يَحدُثْ مِثلُ ذلك قبلَ محمدٍ، ولا يُوجد سببٌ يدعو للاعتقادِ بأن تلك الفتوحاتِ كان يُمكنُ حدوثُها دونَ محمد.

إن الفتوحاتِ الوحيدةَ في تاريخ البشرية -والتي يمكنُ مقارنتُها بالفتوحاتِ العربية-، هي فتوحاتُ "المغول" في القرنِ الثالثَ عَشَر، والتي يَرجعُ الفضلُ فيها إلى تأثيرِ "جنكيزخان"، لكن فتوحاتِ المغول -رغمَ امتدادِها أكثَرَ من الفتوحاتِ العربية- لم يُكتب لها الدوام، ويحتل المغولُ اليومَ نفسَ المساحةِ التي كانوا فيها قَبلَ عصرِ "جنكيزخان".

إن هذا يختلفُ تمامًا عمَّا حَدَث للفتوحات العربية، إذ تمتدُّ من العراق إلى المغربِ سلسلةٌ متَصِلةٌ من الأمم العربية، لم تتَّحِدْ فقط في إيمانِها بالإسلام، ولكنْ وَحَّدها أيضًا لُغتُها العربيةُ وتاريخُها وثقافتها، وفوق ذلك، نرى أن الفتوحاتِ العربيةَ التي حَدَثت في القرنِ السابع، لا تزالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>