للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينما الإسلامُ في إخلاصِه للقرآن، إنما هو حضارة، إذ لا يُمكنُ فَصلُ محتواه الديني عن تنظيم حياةِ البشر، ذلك التنظيمُ الذي كان يُوضَع مَوْضعَ التنفيذِ فورًا بمجرد التنزيل.

لقد كان "قيصر" هو إلهَ روما الإمبراطورية، وبالنسبة للمسيحي، يَعترفُ بأنْ "يُعطَي ما لقيصرَ لقيصر، وما لله لله"، أما بالنسبة للمسلم، فإن اللهَ هو قيصر (١)، لن يعترفَ بأي مصدرٍ آخَرَ للسلطةِ سوى الله.

ويتفقُ المسلمون وغيرُ المسلمين -بوجهٍ عامٍّ- على إعطاءِ كلمةِ "الإسلام" معنى "التسليم لله"، وبخاصةٍ استسلام المؤمن لمشيئةِ الله، ولقد فُهِم الإسلامُ -في نظر محمدٍ نفسِه، وفي نظرِ المسلمين الأوائل- على إنه ليس دينًا جديدًا، وإنما هو استمرارية تمثلُ المرحلةَ الأخيرةَ في الصراع الطويل بين الشرك والتوحيد، ولقد كان الأنبياءُ الكثيرون الموحدون وتلاميذهم -الذين شاركوا في هذا الصراع قَبْلَ محمدٍ -، كانوا جميعًا مسلمين، وتدلُّ كلمةُ "الإسلام" على الدينِ الحقِّ الذي دعا إليه كل المرسَلين الذين اختارهم الله.

واليهوديةُ مَثَلُها مَثَلُ المسيحية، كانت كل منها مرحلةً سابقةً في نفسِ سلسلةِ الوحي الإلهيِّ، وكانتا في أولِ أمرِهما ديانتَينِ صحيحتَينِ، ولكنْ بالنسبة للمسلمين فإن بَعثةَ محمدٍ قد نسختهما، فما كان فيهما من حقٍّ، قد


(١) يقصد أن المسلم يعتقد أن الله سبحانه هو الحاكم الأوحد .. ولكن المسلمَ لا يُمكنُ أن يُشبه الله جل جلاله بقيصرَ أو بغيره .. تعالى الله عن ذلك .. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١].

<<  <  ج: ص:  >  >>