الباطلة، ولَم يَقبَلْ أن يتَّشحَ بالأكاذيب والأباطيل.
لقد كان منفردًا بنفسه العظيمة، وبخالِقِ الكونِ والكائنات، لقد كان سِرُّ الوجودِ يَسطَعُ أمامَ عينهِ بأهوالهِ ومحاسنِه ومخاوفه.
لهذا جاء صوتُ هذا الرجل منبعِثًا من قلبِ الطبيعةِ ذاتها .. ولهذا وَجَدْنا الآذانَ إليه مُصغِيةً، والقلوب لِمَا يقولُ واعيةً.
لقد كان زاهدًا متقشِّفًا في مَسكنِه ومأكلِه ومَشْرَبِه ومَلْبَسِه وسائرِ أموره وأحواله، فكان طعامُه عادةً الخبزَ والماء، وكثيرًا ما تتابعت الشهورُ ولم تُوقَدْ بداره نار.
فهل بعد ذلك مَكرُمة ومَفْخَرةٌ؟ فحبَّذا محمدٌ من رجل متقشفٍ، خَشِنِ الملبسِ والمأكل، مجتهدٍ في طاعةِ الله، دائبٍ في نشرِ دينِ الله، غيرِ طامع إلى ما يَطمعُ إليه غيرُه من رتبةٍ أو دولةٍ أو سلطان.
ولو كان غيرَ ذلك، لَمَا استطاع أن يَلْقَي من العربِ الغِلاظِ احترامًا وإجلالاً وإكبارًا، ولَمَا استطاع أن يقودَهم وُيعاشرَهم مُعظَمَ وقتِه، ثلاثًا وعشرين حِجّةً وهم ملتفُّون حولَه، يقاتِلون بين يديه ويجاهدون معه .. لقد كان في قلوبِ العرب جَفَاءٌ وغِلظة، وكان من الصعبِ قيادتُهم وتوجيُههم، لهذا كان مَن يَقدِرُ على ترويضِهم وتذليلِهم بطلاً -وأيم الله-.
ولولا ما وَجدوا فيه من آياتِ النُّبل والفضل لَمَا خَضَعوا لإرادته، ولَمَا انقادوا لمشيئته.
وفي ظنِّي أنه لو وُضع قيصرُ بتاجِه وصَولجانِه وَسَطَ هؤلاءِ القوم بَدَل هذا النبي، لمَا استطاع قيصرُ أن يُجبِرَهم على طاعتِه، كما استطاع هذا النبي