للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن تعاليمَ القرآنِ الكريم قد نُفِّذت ومُورست في حياة محمدٍ الذي -سواءٌ في أيام تَحمُّلِه الألمَ والاضطهادَ، أم في زمنِ انتصارِه ونجاحِه- أظهَرَ أشرفَ الصفاتِ الخُلقيةِ التي لا يَتسنَّى لمخلوقٍ آخَرَ إظهارُها.

فكلُّ صفاتِ الصبرِ والثباتِ في عصرِه كانت تُرى في أثناء الثلاثَ عَشْرةَ سنةً التي تألَّمَها في مُجاهداته الأولى بمكة، ولم يَشعُرْ في كل زمن هذا الجهادِ بأيِّ تزعزُع في الثقةِ بالله، وأَتمَّ كل واجباته بشَمَمٍ وحَمِيَّة.

كان - صلى الله عليه وسلم - مثابِرًا، ولا يَخشى أعداءَه؛ لأنه كان يَعلمُ بأنه مكلَّفَ بهذه المأمورية مِن قِبَل الله، ومَن كَلَّفه بهذا العمل لن يَتخلَّى عنه.

لقد أثرت تلك الشجاعةُ التي لا تَعرفُ الجُفولَ -تلك الشجاعةُ التي كانت حقًّا إحدى مميزاتِه وأوصافِه العظيمة- إعجابَ واحترامَ الكافرين، وأولىك الذين كانوا يَشْتَهون قتلَه .. ومع ذلك فقد انتبهت مشاعرُنا وازدادَ إعجابُنا به بعد ذلك في حياتِه الاخيرة، أيامَ انتصارِه بالمدينة، عندما كانت له القوةُ والقُدرةُ على الانتقام واستطاعتُه الأخذَ بالثأرِ ولم يفعل، بل عفا عن كل أعدائه.

العفوُ والإحسانُ والشجاعة، ومِثلُ هاتيكَ الصفات، كانت تُرى منه في كل تلك المدة، حتى إن عددًا عظيمًا من الكافرين اهتَدَوا إلى الإسلام عند رؤية ذلك.

عفَا بلا قَيدٍ ولا شَرطٍ عن كل هؤلاء الذين اضْطَهَدوه وعَذَّبوه، آوى إليه كل الذين كانوا قد نَفَوه من مكة، وأغنى فقراءَهم، وعَفَا عن ألدِّ أعدائه، عندما كانت حياتُهم في قبضةِ يَدِه وتحتَ رحمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>