للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال قالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}، أي: الدَّرَكَة النارية؛ التي تَفعل في الأدمغةِ من شدَّةِ حموِّها ما يَجِلُّ عن الوصف، فأدخله إياها، وأُلْوِحُه في شدائد حرِّها، وأُذيب دماغَه بها، وأُسيل ذِهنَه وكل عصارته بشديدِ حرِّها .. جزاءً على تفكيره هذا، الذي قدَّره، وتخيَّله وصَوَّره بإرادته في طبقاتِ دماغه؛ ليحرقَ أكبادَ أولياءِ الله وأصفيائه" (١).

° " {سَاُرْهِقُهُ صَعُودًا}: التصعيدُ في الطريق: هو أشق السَّير وأشدُّه، فإذا كان دَفعًا من غير إرادةٍ من المُصعَد كان أكثَرَ مشقةً وأعظمَ إرهاقًا، وهو في الوقت ذاتِه تعبير عن الحقيقة؛ فالذي ينحرفُ عن طريقِ الإيمان السهل الميسَّرِ الوُرودِ، يَندبُّ في طريقٍ وعرٍ شاقٍّ مبتوت، ويقطعُ الحياةَ في قلق وشدةٍ وكُربةٍ وضِيق، كأنما يصَّعَد في السماء، أو يصَّعَّد في وعْرٍ صلد، لا رِيَّ فيه ولا زاد، ولا راحةَ ولا أملَ في نهاية الطريق!.

ثم يرسمُ تلك الصورةَ المُبدعةَ المثيرةَ للسخرية، والرجلُ يُكِدُّ ذِهنَه، ويَعصِرُ أعصابَه، ويَقبضُ جَبينه، وتَكْلَحُ ملامحُه وقَسَماتُه، كل ذلك لِيجدَ عيبًا يَعيبُ به هذا القرآن، وليجدَ قولاً يقولُه فيه، جِدَّ مُصطَنَع، متكلَّف يُوحي بالسخرية منه والاستهزاء، وبعد هذا المَخاض كلِّه؛ وهذا الحزَق كله، لا يُفتحُ عليه بشيء، إنما يُدبِرُ عن النور، ويستكبرُ عن الحق.

إنها لَمَحاتٌ تدعُ صاحبَها سخريةَ الساخرين أبدَ الدهر، وتُثبِتُ صورتَه الرزيَّةَ في صُلْب الوجود، تتملاَّها الأجيالُ بعد الأجيال.

فإذا انتهى عَرضُ هذه اللمحات، عَقَّب عليها بالوعيد المفزع:


(١) "نظم الدرر" للبقاعي (٢١/ ٥١ - ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>