للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

° قال عُمَيْر بن عَدِيٍّ الخَطْميُّ حين بَلَغه قولُها وتحريضها: اللهم إن لك عليَّ نذرًا لئن رَددتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة لأقتلنَّها- ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ ببدر-، فلما رَجَع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من بدرٍ جاءها عُمَير بن عديٍّ في جوفِ الليل حتى دخل عليها في بيتها وحولَها نفرٌ من ولدِها نيام منهم مَن تُرضِعُه في صدرها، فجَسَّها بيده، فوجد الصبيَّ تُرضِعُه، فنحَّاه عنها، ثم وضع سيفه على صَدرِها حتى أنفذه مِن ظَهرِها، ثم خرج حتى صلَّى الصبحَ مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما انصرف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى عمير فقال: "أقتلتَ بنت مروان؟ " قال: نعم، بأبي أنت يا رسول الله، وخَشِي عُمير أن يكونَ افتأتَ (١) على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلها، فقال: هل عَلَيَّ في ذلك شيءٌ يا رسول الله؟ قال: "لا يَنْتَطِحُ فيْهَا عَنْزَانِ"؛ فإن أولَ ما سُمِعت هذه الكلمة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال عمير: فاَلتفتَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مَنْ حوله فقال:" إذَا أحْبَبْتُم أَنْ تَنْظُرُوا إلى رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَهُ بِالغَيْبِ، فَانْظُرُوا إلَى عُمَيْر بنِ عَدِيٍّ"، فقال عمرُ بن الخطاب: انظروا إلى هذا الأَعمى الذي تسرَّى (٢) في طاعةِ الله، فقال: "لا تَقُل الأعمى، ولكنه البصير".

فلما رجع عميرٌ من عندِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجد بنيها في جماعةٍ يدفنونها، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلاً من المدينة، فقالوا: يا عميرُ، أنت


(١) افتأت عليه أي: انفرد برأيه دونه، وهو افتعل من الفوات: السبق. يقال لكل من أحدث شيئًا في أمرك دونك: قد افتأت عليك فيه. وفي "اللسان": افتات أي: استبد برأيه وانفرد، وقد صح الهمز فيها؛ افْتَأَتَ عليَّ ما لم أقل أي: اختلقه. ينظر: "النهاية" (٣/ ٤٧٧) (فوت)؛ "لسان العرب" (٦/ ٣٣٣٣) (فأت).
(٢) تسَرَّى: أي: جاءها في جوف الليل. والسُّرَى: سيْرُ الليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>