من شيوخه، وإنما سمع من كلِّ واحدٍ بعضها، ولم يميزه، ويدخله أخذ ذلك من الحديثِ المرسل والمقطوع، وربما حَدَّثَ الراوي ببعضِ الأمور لقرائن استفادها من عدَّةِ جهات، ويُكثِرُ من ذلك إكثارًا، فيُنْسَبُ لأجله إلى المجازفة في الرواية وعدم الضبط، فلم يمكن الاحتجاجُ بما ينفرد به، فأما الاستشهادُ بحديثِه والاعتضادُ به، فمما لا يمكنُ المنازعة فيه، لا سيما في قصةٍ تامةٍ يُخبِرُ فيها باسمِ القاتل والمقتول وصورة الحال؛ فإنَّ الرجل وأمثالَه أفضلُ من أن يقعوا في مثلِ هذا في كذبٍ ووضع، على أنَّا لم نُثبت قَتْلَ السابِّ بمجرد هذا الحديث، وإنما ذكرناه للتقويةِ والتوكيد، وهذا يحصلُ ممن هو دُونَ الواقدي.
* ووجه الدلالة: أن هذه المرأةَ لم تُقتلْ إلاَّ لمجردِ أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهَجْوه، وهذا بَيِّنٌ في قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "هَجَتِ امرأةٌ مِنْ خَطْمةَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من لي بها؟ "، فعُلِم أنه إنما نَدَبَ إليها لأجل هَجْوِها.
وكذلك في الحديث الآخر: "فقال عميرٌ حين بَلَغَهُ قولُها وتحريضُها: اللهم إن لك عليَّ نَذْرا لئن رددتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة لأقتلنها".
وفي الحديثِ لَمَّا قال له قومه: "أنت قتلتَها؟ فقال: نعم، فكيدوني جميعًا ثم لا تُنْظِرون، فوالذي نفسي بيده لو قُلتم جميعًا ما قالت لضربتُكم بسيفي حتى أموتَ أو أقتلَكم"، فهذه مقدمة.
ومقدمةٌ أخرى، وهو أن شِعرَها ليس فيه تحريضٌ على قتالِ النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يقال: التحريضُ على القتال قتال، وإنما فيه تحريضٌ على تركِ دينهِ وذَمٌّ له ولمن اتَّبعه، وأقصى غايةِ ذلك أن لا يدخلَ في الإسلام مَن لم يكن دَخَل، أو أن يخرجَ عنه مَن دخل فيه، وهذا شأنُ كلِّ ساب.