ونظيرُ ذلك أنْ يَنقُضَه بالزَّنى بمسلمةٍ أو بقَطع الطريقِ على المسلمين وقتلهم وأخذِ أموالهم أو بقتل مسلم، فإنَّ فِعْلَه -مع كونه نقضًا للعهد- قد تضمَّن جنايةً أُخرى، فإن الزِّنى وقطعَ الطريق والقتلَ -من حيثُ هو- هو جنايةٌ، ونقضَ العهدِ جناية، كذلك هُنا سَبُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -من حيث هو- هو جنايةٌ منفصلةٌ عن نقضِ العهد، له عقوبةٌ تخصُّه في الدنيا والآخرة زائدةٌ على مجرَّدِ عقوبة التكذيب بنبوَّته، والدليل عليه قوله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}[الأحزاب: ٥٧].
فعلَّق اللعنةَ في الدنيا والآخرة والعذابَ المُهينَ بنفسِ أذى الله ورسوله، فعُلِم أنه مُوجِبٌ لذلك.
يوضِّح ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا دَخل مكةَ آمَنَ الناسَ الذين كانوا يُقاتلونه قبلَ ذلك، والذين نَقضوا العهدَ الذي كان بينه وبينهم وخانُوه إلاَّ نفرًا، منهم القَينتانِ اللتانِ كانتا تغنِّيانِ بهجائه، وسارةَ مولاةَ بني عبد المطلب التي كانت تُؤذيه بمكة، فإذا كان قد أَمر بقَتلَ التي كانت تَهجُوه من النساء -مع أن قتلَ المرأةِ لا يجوزُ ألاَّ إذا قاتلت-، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد آمَنَ جميعَ أهلِ مكةَ مَن كان قد قاتل ونَقَضَ العهد من الرجال والنساء، عُلِم بذلك أن الهِجاءَ جنايةٌ زائدةٌ على مجرَّد القتالِ والحِراب؛ لأن التفريقَ بين المتماثِلَيْنِ لا يَقعُ