مسيلمة الكذَّاب، "كَذَّابُ اليمامة"، وكان يُدعى "رحمان اليمامة"، ادَّعى النبوةَ في عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قَصَدَتْه سَجَاح -لَمَّا ادَّعَتِ النبوة- بجنودها، لأخذِ اليمامة منه، فهابه قومُها، وقالوا: إنه قد استَفْحَل أمرُه وعَظُم، فقالت لهم فيما تقوله:"عليكم باليمامة، دُفُّوا دفيفَ الحمامة، فإنها غزوةٌ صَرَّامة، لا تَلحقُكم بعدها ملامة".
قال: فعَمَدوا لحربِ مسيلمة، فلما سمع بمسيرها إليه، خافَها على بلاده، فبعث إليها يستأمنُها، ويضمنُ لها أن يُعطيَها نصفَ الأرض الذي كان لقريشٍ لو عَدَلت، "فقد رَدَّه اللهُ عليكِ فحباكِ به" .. وراسلها، ليجتمعَ بها في طائفةٍ من قومه، فركب إليها في أربعينَ من قومه، فلما خلا بها عَرَض عليها ما عَرض من نصف الأرض، وقَبِلت ذلك، قال مسيلمة:"سَمع اللهُ لمن سمع، وأطعمه بالخير إذا طمع، ولا يزالُ أمرُه في كلّ ما يَسُرُّ مجتمع، رآكم ربُّكُم فحيَّاكم، ومِن وحشته أخلاكم، ويومَ دينهِ أنجاكم فأحياكم" .. إلى آخِرِ الهراء، وإلى آخِرِ ما فعل اللعين، مما يَعِفُّ القلمُ عن ذِكره. فلما رجعت سَجاحُ إلى قومها قالوا:"ما أَصْدَقَكِ؟ فقالت: لم يُصدِقْني شيئًا، فقالوا: إنه قبيح على مِثلِكِ أن تتزوجَ بغيرِ صَداق"، فبعثت إليه تسأله صداقًا، فقال:"أرسلي إليَّ مؤذنَكِ"، فبعثته إليه -وهو شَبَثُ بن رِبعي- فقال:"نادِ في قومك أن مسيلمة بنَ حبيب رسول الله: قد وضع عنكم صلاتيْن، مما أتاكم له محمد -يعني صلاة الفجر وصلاةَ العشاء الآخرة"(١) -"،
(١) "في الفرق بين الفرق" (ص ٣٤٥) للبغدادي "أسقط وجوب صلاتي الصبح والمغرب، وجعل سقوطها مهرًا لامرأته سجاح المتنبِّأة".