للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن عقائد هذا الزِّنديق زَعْمُه أنَّ الإلهَ الأزليَّ رَجُلٌ من نور، وأنه يَفنَى كلُّه غيرُ وجهه، وتأوَّل على زعمه قولَه تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: ٨٨]، وقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧] (١).

ولو كان له أدنى عقلٍ أو فَهمٍ لَعَلِم أنَّ الله تعالى إنما أخبر بالفَناء عمَّا في الأرض فقط بنصِّ قوله الصادق {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (٢).

ورفع خبرُ بيانٍ هذا إلى خالد بن عبد الله القَسْريِّ في زمانِ ولايته في العراق، فاحتال على بيان حتى ظَفِر به وصَلَبه، وقَال له: "إنْ كنتَ تَهزمُ الجيوش بالاسم الذي تعرفُه، فاهزمْ به أعواني عنك" (٣).

° وقال الشَّهرستاني: "صَلَبه وأحرَقه خالدُ بن عبد الله القَسْريّ مع المغيرة بن سعيد في يوم واحد، وجَبُنَ المغيرةُ بن سعيد عن اعتناق حِزمةِ الحطب جبناً شديداً حتى ضُمَّ إليها قَهراً، وبادر بيانُ بنُ سمعان إلى الحِزمة فاحتضنها من غير إكراه، ولم يظهر منه جَزعَ، فقال خالد لأصحابهما: في كلِّ شيءٍ أنتم مجانين، هذا كان ينبغي أن يكون رئيسُكم لا هذا الفَسْل" (٤).

وذهب بيان إلى ذاتِ السلاسل والنَّكال، تُشيِّعُه لعناتُ الصادقين إلى يوم الدين.


(١) "الفرق بين الفرق" (ص ٢٣٧).
(٢) "الفصل في الملل والنحل" (٥/ ٤٤).
(٣) "الفرق بين الفرق" (ص ٢٣٧).
(٤) "الفصل في الملل والنحل" لابن حزم (٥/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>