الثالث: أن مَن عادى هذا الرسولَ فقد عادى صاحبَه ووليَّه جبريل، ومَن عادَى ذا القوّة والشدَّة، فهو عُرْضَةٌ للهلاك.
الرابع: أنه قادرٌ على تنفيذِ ما أُمِر به لقوَّته، فلا يَعجزُ عن ذلك، مؤدٍّ له كما أُمر به لأمانته، فهو القويُّ الأمين، وأحدُكم إذا انتدب غيرَه في أمرٍ من الأمور لرسالة، أو ولاية، أو وكالةٍ أو غيرها، فإنما ينتدبُ لها القويَّ عليها الأمينَ على فعلها.
وإن كان ذلك الأمرُ من أهمِّ الأمور عنده انتدب له قِويًّا، أمينًا، معظَّمًا، ذا مكانةٍ عنده، مُطاعًا في الناس، كما وَصَف اللهُ عبدَه جبريل بهذه الصفات.
هذا يدلُّ على عظمةِ شأنِ المرسِل، والرسول، والرِّسالة، المُرْسَل إليه، حيث انتدب له الكريمَ القويَّ، المكينَ عنده، المطاعَ في الملأ الأعلى، الأمينَ حقَّ الأمين، فإنَّ الملوكَ لا تُرسِلُ في مهمَّاتها إلا الأشرافَ ذَوِي الأقدارِ والرتبِ العالية.
* {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}[التكوير: ٢٠]:
أيْ: له مكانةٌ ووجاهةٌ عنده، وهو أقربُ الملائكة إليه، وفي قوله:{عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} إشارةٌ إلى علوِّ منزلةِ جبريل، إذْ كان قريبًا من ذي العرش.
* {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}[التكوير: ٢١]: إشارة إلى أنَّ جنودَه وأعوانَه يطيعونه إذا نَدَبهم لنصر صاحبِه وخليله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وفيه إشارةٌ أيضًا إلى أنَّ هذا الذي تُكذِّبونه وتُعادُونه سيصيرُ مُطاعًا في الأرض، كما أن جبريلَ مطاعٌ في السماء، وأن كلاًّ مِن الرسوليْن مطاعٌ في مَحِلِّه وقومه، وفيه تعظيمٌ له بأنه بمنزلةِ الملوك المُطَاعِين في قومهم، فلم يُنتدبْ لهذا الأمر العظيم إلاَّ مثلُ هذا