الحجب، مُزاحةٍ عنه الأستار، يتلقى من الملأ الأعلى، يَسمعُ ويرى، ويَحفظُ ما وَعَى، وهي لحظاتٌ خُصَّ بها ذلك القلبُ المصفَّى.
هي عِيانٌ مشهود، ورؤيةٌ محقَّقه، ويَقينٌ جازم، واتِّصالٌ مباشر، وقُربٌ من عَرشِ الرحمن فوقَ طاقتِنا أن نُدرِكَ كيفيتَه، ومعرفةٌ مؤكدة عُلْوِيَّة، وصحبةٌ محسوسة، ورِحْلةٌ واقعيةٌ بالرُّوح والجَسَد.
قصة الإسراء والمعراج هي من خصائصِ نبينا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، هذا النَّجمُ الإنسانيُّ العظيمُ، والنورُ لهداية العالَم في حَيْرَة ظُلماته النفسيَّة.
وقد حار المفسِّرون في حِكمةِ ذِكر "الليل" في آية "الإسراء" من قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} الآية، فإن السُّرَى في لغة العرب لا يكون إلاَّ ليلاً!.
والحكمةُ هي الإشارةُ إلى أنَّ القصةَ قصَّةُ "النَّجمِ" الإنسانيِّ العظيمِ الذي جَمَع بين إنسانيته ورَفرفةِ قلبِه النُّورانيةِ في هذه المعجزة، ويُتمِّمُ هذه العجيبةِ أن آياتِ "المعراج" لم تجيء إلاَّ في سورة "النجم"!.
وعلى تأويل أن ذِكرَ "الليل" إشارةٌ إلى قصة النجم، تكونُ الآيةُ برهانَ نفسِها، وتكونُ في نَسَقِها قد جاءت معجزةً من المعجزات البيانيَّة.
وانظر إلى قوله تعالى:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}، فإنها بهذه العبارة نصٌّ على إشراف النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقَ الزمانِ والمكان يرى بغير حِجاب الحواسِّ مما مَرْجِعُه إلى قُدرة الله لا قُدرةِ نفسِه، بخلافِ ما لو كانت العبارةُ "ليرى من آياتنا"؛ فإن هذا يجعلُه لنفسه في حدودِ قوَّتها وحواسِّها وزمانها ومكانها، فيضطربُ الكلام، ويتطرَّقُ إليه الاعتراضُ، ولا تكون ثَمَّ معجزةٌ.