وتحويلُ فعل "الرؤية" من صيغةٍ إلى صيغة، معجزةٌ أخرى.
وانظر إلى قوله تعالى:{أَسْرَى بِعَبْدِهِ} دون "بَعَث بعبده" و"أرسل به"، فقوله تعالى يُفيد مصاحبَتَه له في مَسراه؛ فإن "الباء" هنا للمصاحَبة.
فجاز السماءَ السَّبع في بعض ليلةٍ … ولكن بعدَ السَّبعْ أين يَصيرُ؟
فلاحَ له من رفرفِ النورِ لائحٌ … مِن النور للهادي البشيرِ بشيرُ
وشاهَدَ تحت العرشِ كلَّ عجيبةٍ … وما ثَمَّ إلاَّ زائرٌ ومزورُ
حبيبٌ تملَّى بالحبيب فخصَّه … وشرَّفه بالقربِ وهو جديرُ
والقصةُ بعد ذلك تُثبت أن هذا الوجودَ يَرقُّ وينكشفُ ويستضيءُ كلما سما الإنسانُ برُوحه، وهي من ناحيةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قصةٌ تصفُه بخصائصِه في عظمتِه كما رأى ذاتَه في ملكوت الله .. ومن ناحيةِ كلِّ مسلمٍ مِن أتباعه هي كالدرس في أن يكونَ لقلبِ المؤمن مِعراجٌ سماويٌّ فوقَ هذه الدنيا، ليشهدَ ببصيرته أنوارَ الحقِّ وجمالَ الخير، فيكونَ بتدبُّره القصةَ كأنما يَصعَدُ إلى السماء وينزل.
أقسم سبحانه بالكتاب وآلتِه، وهو القلم الذي هو أحدى آياتِه وأولُ مخلوقاتِه الذي جرى به قَدَرُه وشَرْعُه وكُتِبَ به الوحي، وقُيِّد به الدِّين، وأُثبتت به الشريعة، وحُفِظت به العلوم .. وأقام في الناس أبلغَ خطيبٍ وأفصَحَه، وأنفعَه لهم وأنصحَه، وواعظًا تَشفي مواعظُه القلوبَ من السَّقَم، وطبيبًا يُبرِئُ بإذنه من أنواع الألم، يَكسر العساكرَ العظيمةَ على أنه الضعيفُ الوحيد، ويَخاف سطوتَه وبأسَه ذو البأس الشديد .. وبالقلم تُدَبَّرُ