للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخلَ بغدادَ سنةَ تسع وتسعين وثلاثِمئةٍ، فأقام بها سنة وسبعةَ أشهرٍ، ثم خَرج منها طَريدًا مُنْهزمًا؛ لأنه قال شِعرًا يَدُلُّ على قِلةِ دينِه وعلمِه وعقلِه، وهو قولُه (١):

تناقضٌ ما لنا إلاَّ السُّكوت له … وأن نَعوذَ بمَوْلانا من النارِ

يدٌ بخمسِ مئِينٍ عَسجَدٍ فدِيَتْ … ما بالها قطِعَت في ربع دينارِ!

يقول: اليدُ دِيتها خَمْسُمِئةِ دينارٍ، فما لكم تَقْطَعونها إذا سرَقَت ربعَ ديِنارٍ؟! وهذا مِن قَلَّةِ عقله وعلمِه، وعَمَى بَصيرتِه؛ وذلك أنها إذا جنِي عليها يُناسِبُ أن يكونَ دِيتها كثيرةً؛ لينْزَجِرَ الناسُ عن العدْونِ، وأما إذا جنَت بالسوقةِ فيُناسِبُ أن تَقِلَّ قيمتُها؛ ليُنْزجَرَ عن أخذِ الأموالِ، وتُصانَ أموالُ الناسِ، ولهذا قال بعضُهم (٢): "كانت ثمينةً لَمَّا كانت أمينةً، فلما خانَت هانَت".

ولَمَّا عَزَم الفُقهاءُ على أخْذِه بهذا الكلام، هَرب ورجَع إلى بلدِه، ولَزِمَ منزلَه، فكان لا يَخرج منه".

° ويقول ابن كثير: "كان ذكيًّا، ولَم يكن زكيًّا، وله مصنفاتٌ كثيرةٌ أكثرها في الشعر، وفي بعضِ أشعاره ما يَدُل على زندقةٍ وانحلال، ومن الناس من يَعتذر عنه، ويقول: "إنه إنما كان يقول ذلك مجونًا ولعبًا، ويقول بلسانهِ ما ليس في قلبه، وقد كان باطنُه مُسلِمًا".


(١) "البيتان في اللزوميات" (١/ ٣٨٦).
(٢) هو القاضي عبد الوهاب المالكي .. انظر "تفسير ابن كثير" (٣/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>