للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

° ومن ذلك أيضًا قولُه (١):

قالت مَعاشرُ: لم يَبْعثْ إلهكُمُ … إلى البَرِيَّةِ عِيساها ولا مُوسَا

وإنما جعَلوا الرحمنَ مَأكَلَةً … وصيَّروا دينَهم في الناسِ ناموسَا

وذُكِر له أشياءُ غير ذلك، وكلُّ قِطْعةٍ مِن هذه تَدلُّ على كفرِه وانحلالِه وزندقتِه وضلاله، ويقال: إنه أوْصَى أن يُكْتَبَ على قبره:

هذا جَناه أبي عليَّ … وما جنَيْتُ على أحدْ

معناه أن أباه بتَزَوُّجِه لأمِّه أوْقَعه في هذه الدارِ، حتى صار بسببِ ذلك إلى ما إليه صار، وهو لم يَجْنِ على أحدٍ بهذه الجِناية، وهذا كلُّه كفرٌ وإلحادٌ، قبَّحه اللهُ، وقد زعمَ بعضُهم أنه أقْلَع عن هذا كلِّه وتاب منه، وأنه قال قصيدةً يَعْتَذِرُ فيها مِن هذا كلِّه، ويَتَنَصَّلُ منه، وهي القَصيدةُ التي يقولُ فيها:

يا مَن يَرَي مدَّ البَعوضِ جَناحَها … في ظلْمةِ الليل البَهيم الأليَلِ

ويَرَى مَناطَ عُروقِها في نحرِها … والمخ في تلك العِظام النُّحَّلِ

امْنُنْ عليَّ بتوبةٍ تَمْحُو بها … ما كان منِّي في الزمانِ الأوَّلِ

وقد كانت وفاتُه في ربيع الأولِ من هذه السنةِ بَمَعَّرةِ النُّعمانِ، عن ستٍّ وثمانين سنةً إلاَّ أربعةَ عشَرَ يومًا، وقد رَثَاه جَماعةٌ مِن أصحابِه وتَلامذتِه، وأُنْشِدت عندَ قبرِه ثمانون مَرْثاةٌ، حتى قال بعضهم في مَرْثاتِه:

إن كنتَ لم ترِقِ الدماءَ زهادةً … فلقد أرَقْتَ اليومَ من جَفْني دمَا

° قال ابن الجوزي (٢): "وهؤلاء إمَّا جُهَّال بأمرِه، وإمَّا ضُلاَّلٌ على


(١) في "اللزوميات" (٢/ ٢٢، ٢٣).
(٢) "المنتظم" (١٥/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>