للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يتضمَّن القرآن، ولهذا ما اختصَّ بالقرآن إلاَّ محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، فـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يَجمع الأمرين في أمر واحد، فلو أن نُوحًا أتى بمثل هذه الآية لفظًا أجابوه، فإنه شَبَّه ونَزَّه في آية واحدة، بل في نصف آية، ونوحٌ دعا قومه "ليلاً" من حيث عقولهم، ورُوحانيَّتهم، فإنها غَيبٌ، و"نهارًا" دعاهم أيضًا من حيث ظاهرِ صورِهم وحسِّهم، وما جمع في الدعوة مِثل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فنَفَرت بواطنهم لهذا الفرقان [فزادهم] فِرارًا، ثم قال عن نفسه: إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشفَ لهم، وفهِموا ذلك منه - صلى الله عليه وسلم -، لذلك {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ}، وهذه كلُّها صورةُ السِّتر التي دعاهم إليها، فأجابوا دعوتَه بالفعل، لا بلبَّيْك، ففي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} إثبات المِثْل ونَفيه، وبهذا قال عن نفسه - صلى الله عليه وسلم -: "إنه أوتي جوامعَ الكَلِم"، فما دعا محمدٌ قومه ليلاً ونهارًا، بل دعاهم ليلاً في نهار، ونهارًا في ليل، فقال نوحٌ في حكمته لقومه: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: ١١]، وهي المعارف العقليَّةُ في المعاني والنظرِ الاعتباري، {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ}، أي: بما يَميل بكم إليه، فإذا مال بكم إليه، رأيتم صورتَكم فيه، فمن تَخيَّل منكم أنه رآه فما عَرَف، ومَن عَرَف منكم أنه رأى نفسه، فهو العارفُ، فلهذا انقسم الناس


= واحدة سمِّيت حقًا باعتبار باطنها، وخَلْقًا باعتبار ظاهرها.
ويريد بالفرقان: التفرقة بينهما.
ولهذا يبهت نوحًا عليه بأنه جهل حقيقة الدعوة إلى الله سبحانه، أو أنه مكر بقومه في دعوته؛ إذ دعاهم إلى الإيمان بالحق مجردا عن الخلق. "قاله الشيخ عبد الرحمن الوكيل هامش (ص ٤٦) من "مصرع التصوف" للبقاعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>