إلى أن قال: "فالعَلِيُّ لنفسه: هو الذي يكونُ له الكمال، الذي يَستغرقُ به جميِعَ الأمور الوجودية، والنِّسبِ العَدَميَّة، سواءٌ كانت محمودةً عُرفًا وعقلاً وشرعًا، أو مذمومةً عُرفًا وعقلاً وشرَعًا، وليس ذلك إلاَّ لمسمَّى الله خاصةً". وقال: "ألَا ترى الحقَّ يظهرُ بصفاتِ المُحدَثات؟ وأَخْبَر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص والذمِّ، ألَا ترى المخلوقَ يَظهرُ بصفاتِ الحق؟! فهي مِن أوَّلِها إلى آخِرِها صفاتٌ له، كما هي صفات المحدَثات حقٌّ للحق". وأمثالُ هذا الكلام.
فإنَّ صاحبَ هذا الكتاب المذكور الذي هو "فصوص الحكم" وأمثاله مثل صاحبه القونوي، والتلمساني، وابن سبعين، والششتري، وابن الفارض وأتباعهم، مذهبُهم الذي هم عليه: أن الوجودَ واحدٌ، وُيسمَّون "أهل وِحدة الوجود"، ويدَّعون التحقيقَ والعرفان، وهم يجعلون وجودَ الخالق عينَ وجودِ المخلوقات، فكلُّ ما يتَّصفُ به المخلوقاتُ مِن حُسنٍ، وقُبحٍ، ومَدحٍ، وذَمٍّ، إنما المُتَّصِفُ به عندَهم: عينُ الخالق، وليس للخالق عندهم وجودٌ مبايِنٌ لوجودِ المخلوقات منفصِلٌ عنها أصلاً؛ بل عندهم ما ثَمَّ غيرُ أصلاً للخالق، ولا سواه.
ومِن كلماتهم: "ليس إلا الله" .. فعبَّادُ الأصنام لَم يعبُدوا غيرَه عندهم؛ لأنه ما عندهم له غيرٌ؛ ولهذا جعلوا قولَه تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإِسراء: ٢٣] بمعنى "قَدَّرَ ربُّك أنْ لا تعبدوا إلاَّ إياه"، إذ ليس عندهم غيرٌ له تتصوَّر عبادتُه، فكلُّ عابدِ صنمٍ إنما عَبَدَ الله.
ولهذا جَعل صاحب هذا الكتاب: عُبَّادَ العِجل مُصيبين، وذَكر أن