موسى أنكر على هارونَ إنكارَه عليهم عبادةَ العجل، وقال:"كان موسى أعلمَ بالأمرِ من هارون؛ لأنه عَلِمَ ما عَبَدَه أصحابُ العجل؛ لِعِلمه بأن الله قد قَضَى أنْ لا يعبدوا إلاَّ إياه، وما حَكَم الله بشيءٍ إلا وَقَع؛ فكان عَتبُ موسى أخاه هارون، لِمَا وَقَع الأمر في إنكاره وعدمِ اتِّباعه، فإن العارفَ مَن يرى الحقَّ في كلِّ شيء، بل يراه عينَ كلِّ شيء".
ولِهذا يجعلون فرعونَ من كبارِ العارفين المحقِّقين، وأنه كان مُصيبًا في دعواه الربوبية، كما قال في هذا الكتاب:"ولَمَّا كان فرعونُ في مَنصِبِ التحكُّم صاحبَ الوقت، وأنه جارٍ في العُرفِ الناموسيِّ لذلك، قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات: ٢٤] أي: وإنْ كان الكلُّ أربابًا بنسبةٍ ما: فأنا الأعلى منهم؛ بما أُعطِيته في الظاهر مِن الحكم فيهم .. ولَمَّا عَلِمتِ السحرة صِدقَ فرعون فيما قاله: لَم يُنكروه، بل أقرُّوا له بذلك وقالوا له:{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}[طه: ٧٢]، فالدولةُ لك، فصحَّ قولُ فرعون:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، وأنه كان عينَ الحق"!!.
ويكفيك معرفةَ بكفرهم: أنَّ مِن أخفِّ أقوالِهم: "إنَّ فرعونَ مات مؤمنًا؛ بريًّا من الذنوب"، كما قال:"وكان موسى قُرَّة عَينٍ لفرعون بالإيمان، الذي أعطاه الله عند الغَرَق، فَقَبضه طاهرًا مطهَّرًا، ليس فيه شيءٌ من الخبث؛ لأنه قَبَضه عند إيمانه قبلَ أن يكتسبَ شيئًا من الآثام، والإسلامُ يَجُبُّ ما قَبْله".
وقد عُلم بالاضطرار من دينِ أهل المِلل -المسلمين، واليهود، والنصارى-: أن فرعونَ من أكفرِ الخَلقِ بالله؛ بل لَم يَقصَّ الله في القرآنِ قِصَّةَ كافرٍ باسمه الخاصِّ، أعظمَ من قصةِ فرعون، ولا ذَكَر عن أحدٍ من