الكفار مِن كُفرِه، وطُغيانه وعُلوِّه: أعظمَ مما ذَكر عن فرعون.
وأخَبَر عنه وعن قومهِ أنهم يدخُلون أشدَّ العذاب، فإن لفظَ "آل فرعون" كلفظ "آل إبراهيم"، و"آل لوط"، و"آل داود"، و"آل أبي أوفى"، يدخلُ فيها المضافُ باتِّفاقِ الناس، فإذا جاؤوا إلى أعظم عدوٍّ لله من الإنس، أو مَن هو مِن أعظم أعدائه: فجعلوه مصيبًا، محقًّا فيما كفَّره به الله: عُلم أن ما قالوه أعظمُ من كفرِ اليهود والنصارى، فكيف بسائر مقالاتهم؟.
وقد اتَفق سَلَفُ الأمةِ وأئمَّتها: على أن الخالقَ تعالى بائنٌ من مخلوقاته، ليس في ذاتِه شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيءٌ من ذاته.
والسلفُ والأئمةُ كَفَّروا الجهميَّة لَمَّا قالوا:"إنه في كل مكان"، وكان مما أنكروه عليهم: أنه كيف يكونُ في البطون، والحشوشِ، والأخلِية؟ تعالى الله عن ذلك .. فكيف بمن يَجعلُه نَفْسَ وجودِ البطونِ، والحشوش، والأخلية، والنجاسات، والأقذار؟!.
وكان عبدُ الله بنُ المبارك يقول:"إنا لَنحكِي كلامَ اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكيَ كلامَ الجهميَّة"، وهؤلاء شرٌّ مِن أولئك الجهمية؛ فإن أولئك كان غايتهم القول بأن الله في كلِّ مكان، وهؤلاء قولهم: إنه وجودُ كلِّ مكان، ما عندهم موجْودانِ؛ أحدهما حالٌّ والآخر مَحِل.
ولهذا قالوا:"إن آدمَ من الله بمنزلةِ إنسانِ العَينِ من العين"، وقد عَلم المسلمون، واليهودُ، والنصارى، بالاضطرار من دينِ المرسلين: أن مَن قال عنْ أحدٍ من البشر: "إنه جزءٌ من الله"، فإنه كافرٌ في جميعِ الملل، إذ