للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصارى لَم تَقُل هذا -وإن كان قولُها مِن أعظم الكفر- لَم يقُلْ أحدٌ: إن عينَ المخلوقاتِ هي جزءُ الخالق، ولا أن الخالقَ هو المخلوق، ولا الحقُّ المنزَّهُ هو الخَلقُ المشبَّه.

وكذلك قولُه: "إن المشركين لو تَركوا عبادةَ الأصنام لجهلوا من الحق بقَدر ما تركوا منها": هو من الكفرِ المعلوم بالاضطرار من جَميع المِلل، فإنَّ أهلَ المِلل متَّفِقون على أن الرسلَ جميعَهم نَهَوا عن عبادةِ الأصنام، وكفَّروا مَن يفعلُ ذلك، وأن المؤمنَ لا يكونُ مؤمنًا حتى يتبرَّأ من عبادةِ الأصنام، وكلّ مبعودٍ سوى الله، كما قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: ٤].

وقال الخليلُ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٧٥ - ٧٧].

وقال الخليل: {لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: ٢٦ - ٢٧].

وقال الخليل- وهو إمامُ الحنفاءِ الذي جَعل الله في ذرِّيتَّه النبوةَ والكتاب، واتَّفق أهلُ المِلل على تعظيمه لقوله: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٧٨ - ٧٩].

وهذا أكثرُ وأظهرُ عند أهل الملل من اليهود والنصارى -فضلاً عن

<<  <  ج: ص:  >  >>