وتقدُّمَ خاتمِ الأنبياء عليه بالتشريع فقط؛ وهذا من أعظمِ الكفرِ الذي يقعُ فيه غاليةُ المتفلسفة، وغاليةُ المتصوِّفة، وغاليةُ المتكلِّمة، الذين يزعُمون أنهم في الأمور العِلميَّة أكمل من الرسل، كالعلم بالله ونحو ذلك، وأن الرُّسُلَ إنما تقدَّموا عليهم بالتشريع العامِّ، الذي جُعل لصلاحِ الناس في دنياهم.
وقد يقولون:"إن الشرائعَ قوانينُ عَدْليَّةٌ، وُضعت لمصلحة الدنيا"، فأمَّا المعارفُ والحقائقُ والدرجاتِ العاليةُ في الدنيا والآخرة: فيُفضَّلون فيها أنفسَهم، وطُرُقَهم على الأنبياء وطُرقِ الأنبياء.
وقد عُلم بالاضطرار من دينِ المسلمين أن هذا من أعظمِ الكفر والضلال، وكان ذلك من سببِ جَحدِ حقائقِ ما أخبرت به الرسلُ، مِن أمرِ الإيمانِ بالله واليوم الآخر، وزَعْمِهم أن ما يقولُه هؤلاء في هذا الباب هو الحق.
وصاروا في أخبارِ الرسل، تارةً يُكذِّبونها، وتارةً يُحرِّفونها، وتارةً يُفوِّضونها، وتارةً يزعُمون أن الرُّسُلَ كذَبوا لمصلحةِ العموم.
ثم عامَّةُ الذين يقولون هذه المقالات: يُفضِّلون الأنبياءَ والرسلَ على أنفسهم، إلاَّ الغاليةَ منهم -كما تقدم-، فهؤلاء من شرِّ الناس قولاً واعتقادًا.
وقد كان عندنا شيخٌ من أجهل الناس، كان يُعظِّمُه طائفةٌ من الأعاجم، ويقال:"إنه خاتمُ الأولياء"، يزعم أنه يُفسِّر العلمَ بوجهين، وأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنما فسَّره بوجهٍ واحد، وأنه هو أكملُ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا تلقَّاه من صاحب "الفصوص"، وأمثالُ هذا في هذه الأوقات كثيرون، وسببُ ضلالِ المتفلسفةِ وأهل التصوفِ والكلامِ: الموافقةُ لضلالهم، وليس هذا