للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضعَ الإطنابِ في بيان ضلالِ هذا، وإنما الغرضُ التنبيهُ على أن صاحب "الفصوص" وأمثالَه قالوا قولَ هؤلاء.

فأمَّا كُفرُ مَن يُفضِّلُ نفسَه على النبي صلى الله عليه وسلم -كما ذَكر صاحب "الفصوص"- فظاهر، ولكنْ مِن هؤلاء مَن لا يرى ذلك؛ ولكنْ يرى أنَّ له طريقًا إلى الله غيرَ اتِّباعِ الرسول، ويُسَوِّغُ لنفسِه اتِّباعَ تلك الطريقِ -وإنْ خالَفَ شَرعَ الرسول-، ويحتجُّون بقصةِ موسى والخَضِر.

الوجه الثامن: أنه قال: "ولَمَّا مَثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - النبوَّةَ بالحائط .. "، إلى آخِرِ كلامه وهو متضمِّن أنَّ العلمَ نوعان:

أحدهما: عِلمُ الشريعة، وهو يأخذ عن الله كما يأخذُ النبيُّ، فإنه قال: "والسببُ الموجِبُ لكونه رآها لَبِنَتَينِ أنه تابع لشرع خاتَمِ الرُّسُلِ في الظاهر وهو موضعُ اللبنةِ الفضيَّة، وهو ظاهرُه، وما يَتبعُه فيه من الأحكام، كما هو آخِذٌ عن الله في السرِّ ما هو بالصورة الظاهرة متَّبعٌ فيه؛ لأنه يَرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا".

وهذا الذي زَعَمه -من أن الولِيَّ يأخذُ عن اللَّهِ في السرِّ ما يَتبعُ فيه الرسلَ كأئمةِ العلماء مع أتباعهم- فيه من الإِلحادِ ما لا يَخفَى على مَن يؤمنُ بالله ورُسُلِه، فإن هذا يدَّعي أنه أُوتِيَ مثلَ ما أُوتي رُسلُ الله، ويقول: "إنه أُوحِيَ إليَّ"، ولم يُوحَ إليه شيء، ويَجعل الرسُلَ بمنزلة معلم الطب والحساب والنحو وغير ذلك إذا عَرف المتعلِّمُ الدليلَ الذي قال به مُعلِّمُه، فينبغي موافقتُه له لمشاركتِه له في العلم، لا لأنه رسولٌ وواسطةٌ من الله إليه في تبليغِ الأمر والنهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>