للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدار الفانية (١).

وهذا الإنكارُ لرؤيةِ الله في الدنيا، إن صَحَّ بالقياس إلى مَن يَدَعي هذه الرؤية من الصوفية وهو ما يزالُ غارقًا في بحرِ الحياة، فإنه لا يصحُّ بالقياسِ إلى حالِ ابنِ الفارض كما تُصوِّرُها القصةُ المذكورة آنفًا: فهو هنا قد وَلَّى من الحياة وتولَّت عنه الحياة بما فيها من متاعٍ دنيويٍّ ماديٍّ، وأقبل عليه الموتُ، وأصبح من العالَم العلويِّ قابَ قوسين أو أدنى؛ فليس ثَمَّةَ ما يمنعُ إذًا من أن يُكرمَه الله برؤيته في هذه اللحظةِ الأخيرة من حياته التي ستصعدُ رُوحُه فيها إلى السماءِ، وستَنعمُ في ظلِّ بارئها بكلِّ ألوانِ النعيم والسعادة والسَّناء" (٢).

فإن كان هؤلاء الناسُ يَجهلون ما يعرفُه عوامُّ المسلمين من أن الله لا يُرَى في الدنيا لأحدٍ من البشر، إن كان لم يَرَه موسى وهو كليمُه فكيف يراه ابنُ الفارض؟!! ثم يتكلَّمون بعدَ هذا في دينِ الله -عز وجل-.

° ولكنِ انظر إلى الثقةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيمية ما يقول في موت ابن الفارض: "حدثني الشيخ رشيد الدين بن المعلِّم، عن الشيخ إبراهيم الجعبري أنه حَضَر ابنَ الفارض عند الموت وهو ينشد:

إنْ كان منزلتي في الحُبِّ عندكمُ … ما قدْ لَقيتُ فقد ضيَّعت أيامي

أمنيةٌ ظَفَرتْ نفسِي بها زَمنًا … واليومَ أَحسَبُها أضغاثَ أحلامِ

وحدَّثني الفقيهُ الفاضل تاجُ الدين الزنباري، أنه سمع الشيخَ إبراهيم الجعبري يقول: "رأيتُ في منامي ابنُ عربي، وابنَ الفارض، وهما شيخانِ


(١) "التعرف لمذهب أهل التصوف".
(٢) "ابن الفارض والحب الإلهي" (ص ٧٧ - ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>