أمنيةٌ ظَفِرَتْ رُوحي بها زمنًا … واليومَ أحسَبُها أضغاثَ أحلامِ
وهنا قال له الجعبري: إن هذا مقامٌ عظيم، فردَّ عليه ابنُ الفارض قائلاً:"يا إبراهيم، رابعة العدوية تقول وهي امرأة: وعزّتِك ما عَبَدتُك خوفًا من نارك ولا رغبةً في جنتك، بل كرامةً لوجهك الكريم ومحبةً فيك، وليس هذا المقام الذي كنت أطلبُه، وقَضيتُ عُمري في السلوك إليه.
قال الجعبري: فسمعتُ قائلاً يقول بين السماء والأرض أسمعُ صوتَه ولا أرى شخصه: يا عمر، فما تروم؟ فقال:
أرومُ وقد طال المَدَى منك نظرةً … وكم من دماءٍ دونَ مرمايَ طَلَّتِ
قال الجعبري: ثم بعد ذلك تهلَّل وجهه وتبسَّم وقَضَى نَحْبَه فَرِحًا مسرورًا، فعَلِمتُ أنه أُعطى مرامه" (١).
فإن صحَّ فَهمُ الجعبري لهذا المرام على أنه رؤيةُ الله، وظَفِر ابنُ الفارض بهذه النظرةِ التي طالما رامها، وسُفكت في سبيلها الدماء، فإنه ينبغي على ذلك أن يكون شاعرُنا قد تحقَّق أخيرًا بأسمى الكرامات وأرقى خوارق العادات، ومع هذا فإنَّ هناك فريقًا من الصوفية قد أجمع على أن الله لا يُرى في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب إلاَّ من جهةِ الإيقان؛ لأنه غايةُ الكرامة وأفضلُ النِّعم، ولا يجوزُ أن يكونَ ذلك إلاَّ في أفضلِ المكان، ولو أُعطى القومُ في الدنيا أفضلَ النِّعم، لَم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فَرق، ٌ ولَمَّا مَنَع الله سبحانه كليمَه - عليه السلام - ذلك في الدنيا، كان مَن هو دونه أحرى؛ وأخرى أن الدنيا دارُ فناء، ولا يجوزُ أن يُرى الباقي في