واحتَقرت الملاَّ محمد زوجَها، وبدأت تشعرُ الاشمئزازَ من قُربه، فلجأت إلى بيت أبيها، وتركت بيتَها بيْتَ الزوج، فلم تهدأ ثورتُها، بل زاد جنونُها بمرورِ الأيام وكَرِّ الليالي، وأَحسَّت بأنها تَحتاجُ إلى مَن يُهدِّيءُ ثورتَها المشتعلة، ويعبدُها عبادةَ الوَلْهانِ والعبدِ راكعًا وساجدًا أمام صَنَمِه ومعبودِه مُرغِمًا أنفَه ومُذِلاً وجهَه.
ولكنَّ البيئةَ التي نشأت فيها كانت لا تزالُ محافظةً على القيمَ الرُّوحيةِ وبَقيَّةِ الأخلاق الإنسانية والإسلامية، فالتجأت منها إلى الشِّعرِ الغَزَليِّ الفاجرِ السافل، تشكو فيه اشتعالَ الحُسنِ، ووَهَجَ الشباب، والثورةَ الراعنةَ التي أحاطت وجودَها، والرغبةَ المُجتاحة، ولوعةَ الحبِّ والعشق، وظُلْمَ البيئة، وقَسوةَ الحرمان، فاشتُهرت قصائدُها بالغزلِ المشبوبِ باللهفة، والمُهيِّج للعواطفِ الشَّهْوانيةِ الحيوانية، وشَعُرت أنْ لا سبيلَ إلى قَضَاءِ شهواتها وطلبِ رغباتِها والفسقِ والفجورِ إلاَّ برفعِ القيودِ الإسلاميةِ والحدودِ الأخلاقية، فبدأت تُفكِّرُ في كَسرِ القيود وحَلِّ الحدود.
وها هنا في هذا المقام أُريدُ تنبيهَ القرَّاءِ والتفاتَ الباحثين إلى أن "أم سلمى""زرين تاج""قرة العين" الطاهرة هذه هي المُوجدِة الحقيقةُ والمؤسِّسةُ الأصليةُ للديانة البابية، ومحرِّكتها ومُحَرِّضتها على ذلك الإلحاد والفساد، لتضايُقِها عن تلك القِيَم والتعاليمِ التي تَفرضُ عليها التستُّرَ والحِجاب، والكفَّ عن الخلاعة والمجون في الشِّعرِ والقولِ، والردعَ عن الفسق والفجور.
° ولأجل ذلك كانت تُردِّدُ ذلك القولَ كثيرًا: "يا أوَّاه .. متى يَطلُعُ ذلك اليومُ الذي تَظهرُ فيه شريعةٌ جديدة؟! ومتى يأتي ربِّي وإلهي بتعاليمه