المتعمدة، فإنه لم يسبق لذلك مثيل في تاريخ العلاقات السياسية الدولية، ولا في تاريخ دول الإسلام، وقد بانت الضغينة السيئة والأطماع الأشعبية، وعلم الوفد على الحقيقة أن اليمن يستصغر شأن بلاده ويحتقر أمرها، ويظن بها الضعف وعدم القوة، وتحقق عند الوفد أن إمام اليمن يرمي بنظره إلى ما وراء الحدود ويطمع بالاستيلاء على نجران وعسير وتهامة، وخلاصة الأمر صريحًا أنه ينبغي العودة إلى بلاده، فمنع من ذلك وحيل دونه، فعندها أمعن الوفد في إيصال الخبر سرًا إلى جلالة الملك بذلك، هذا ما كان عليه يحيى، فلما علم ابن سعود بذلك سمح يحيى لوفده بالعودة بعد طول الحجر والقهر، فعادوا في السنة الآتية وجرى ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
[ذكر من توفى فيها من الأعيان ففيها وفاة الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم]
وكان خروج روحه في الساعة الثانية من اليوم ١١ من محرم رحمه الله وعفا عنه ووقاه عذاب الجحيم، ورفع منازله في جنات النعيم، فلقد والله أصيب به الإسلام وفقده هداة الأنام فلا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، وهذه ترجمته:
هو العالم العابد الزاهد الألمعي العلم، الوفي الزكي، قاضي ناحية القصيم الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليم، أبو محمد، شيخنا الحبر الماهر في العلوم، كان رزينًا مصقعًا سميدعًا، حليمًا عاقلًا، له سعة اطلاع وفراسة، إذا أخذ يقرر التوحيد والفقه قلت لا نظير له في الناس، وإن أخذ في الوعظ والتذكير فإنه بغيره لا يقاس، أو أخذ في التواضع والأدب، فسبحان من خلع عليه أحسن اللباس، يصيح بالخلق إلى اتباع الرسول والتمسك بسنته ودموعه تسكب كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم، وكان له وجد وذوق في المعارف الإلهية حتى إنه ليكاد يحبو من مكانه حبوًا إذا جعل يتكلم على معاني العقيدة السلفية لما له من الحظ الأوفر من تلك البضاعة.