قلت يا عجبًا لأمر الشريف، ومبلغ عقله، حيث يغوص في هذه البحار العميقة، وتحدثه أمنيته إلى هذه الغاية، وأغفل إرادة الله، وأمره الغالب لكل مغالب وسطوة، من لا يفوته شارد ولا هارب، فلو علم ما حبلت به الأيام والليالي من العجائب لكان له غير هذه الحالة، ومن عاش فسوف يرى.
وبينما هو كان يحلم بسيادة أعظم من السيادة العربية، بسيادة شاملة إسلامية، جالسًا على فراش الملك، والخلافة والنصر رافعًا يده بزعمه على العرب بالقهر، إذا بالإخوان يدبرون الأمر، في غزوة بعقر داره وأخذ الحجاز منه، ومما هو جدير بالذكر أن الشريف لم يحسب لهم حسبانًا ولم يجر في خلده ذلك.
[ذكر فتح الطائف سنة ١٣٤٣ هـ]
لما رجع الإخوان من غزو الشمال زحفوا إلى الطائف يقودهم القائد سلطان بن بجاد بن حميد، والشريف خالد بن منصور بن لؤي أمير الخرمة، بجيش من الإخوان مؤلف من خمسة عشر راية من رايات الغطغط، والخرمة، وتربة، ورنية، وعتيبة، وقحطان، وبني تميم، فانضم إليهم بعدئذ من أشراف الحجاز وعربانة، كالحرث، وبني ثقيف، عدد لا يبلغ هو والجيش أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل، وكان مركز الاجتماع في تربة، فزحف هذا الجيش بأجمعه، وما كان قد علم بزحفه أحد في مكة أو في الطائف بل لم تشعر الحكومة بهجومهم قبل أن يصلوا إلى قرية الحوية التي تبعد عن الطائف بضعة أميال.
فلما أن وصلت سراياهم الحوية في غرة صفر، استيقظت الحكومة عند ذلك، فأصدر ناظر الحربية الهاشمية أمير اللواء صبري باشا أوامره إلى جنود النظام بالدفاع، فخرجوا من الطائف وهم نحو أربعمائة ومعهم بعض المدافع الجبلية والرشاشة وقصدوا الحوية، ليصدوا الإخوان فاستعرت بينهم وبين سرايا الجيش هناك معركة دامت بضع ساعات كانت الغلبة فيها للإخوان، فتقهقر النظاميون إلى جهة الطائف، وانضم إليهم جند من البدو فرابطوا معهم في الهضاب الغربية من