لما دفعنا التاريخ إلى تلك الناحية فلا بد من معرفتها فنقول عسير بين الحجاز واليمن في أعالي تهامة، وهناك جبالها التي قد كساها الاخضرار فتوفرت فيها الأشجار وغزرت المياه وتنوعت الثمار، ناهيك بهوائها الطيب الذي هو في الطيب والاعتدال مثل هواء الطائف.
وكانت جبالها أحصن الجبال للدفاع ورجالها من صفوة العرب في البأس والبسالة، ولكن أهل عسير أشد العرب نفرةً من الأجانب ويحبون الاستقلال، فلا يدينون لصحاب اليمن ولا لصاحب الحجاز، ولا سيما الأعراب منهم، فيوجد هناك أعراب لا يدينون حتى ولا لصاحب عسير، وكان أهل عسير قد أقبلوا في أيام آل سعود الأولين على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه ونور ضريحه، فترى مساجدهم قد خلت من الزخارف وقبورهم قد سلمت من البنايا والقباب وهم موحدون ولا يجري منهم شيء من التوسلات كخلوق، وكانوا يدفعون الزكاة للإمام في الدرعية مثلما يدفعونها اليوم للملك عبد العزيز، وقاعدة هذه المقاطعة هي أبها التي تعلو سبعة آلاف وثلثمائة قدم عن البحر فهي قائمة على رأسي وادي ضلاع ووادي شهران بين آكام وقمم تنتصب كالحراس حولها وهي مؤلفة من ثلاث قرى وحواليها ثمان قلاع صغيرة، تسع القلعة الواحدة عشرة رجال، وحوالي أبها بنو حفيظ وبنو دليم وبنو مالك وبنو زيد، وشمالًا منها بنو شهر، وشرقًا خميس مشيط يبعد عنها خمسة عشر ميلًا، وهو قاعدة زهران، وفي هذه الناحية وادي شعاف الذي يقطنه آل يزيد ومنهم آل عائض هؤلاء، فلما جرى من هذا الأمير حسن ما جرى من التمرد بعث إليه ابن سعود عبد العزيز ابن مساعد، فمشى إليه ابن مساعد في شعبان من سنة ١٣٣٨، وعندما دنا من أبها في رمضان لم يحتج ابن عائض إلى دعوة السلم بل خرج إليه بجنوده.