ولما دعا به الحاكم محمد بن رشيد ليجتمع به ويشاهده حينما رويت له أخلاقه وأفعاله فسار إليه في بلدة حائل وعند قدومه إليها جلس في أحد بيوتها فأقبل إلى ساحته الناس يهرولون شيوخًا وكهولًا وشبانًا وامتلأت الشوارع فجعل يدرس في بيته وأصبح ذلك البيت ناديًا عظيمًا للدين والشرف والأكل والشرب حتى كانت الأطعمة وأنواع التمر والألبان يسعى بها إلى بيته، ومن دخل فإنه يجلس وينبسط ويشرب ويأكل ويستمع لكلام الله ورسوله والسلف الصالح ويا حبذا هذه الخصال الجميلة.
ولما درس في حائل ونشر علمه هناك وأتم أيام إقامته بذل له محمد بن رشيد أموالًا طائلة وإبلًا كثيرة وسار منها إلى الرياض فكان ينحر في كل منزل جزورًا ويطعمه رفقته ومن يأوي إليه، حتى لم يصل منها إلى الرياض جزورًا واحدًا، وكان يدرس في بيته فإذا جلسوا فإن أواني القهوة من الشاي والبن والبخور لا تزال تدار على الحاضرين من المتعلمين والمستمعين، وما دام في التدريس فإن النار لا تزال تضطرم والأباريق تحمل كلما فرغ منها شيء، وإذا الأخرى تهيأ فلذلك كان مجلسه عامرًا ينتابه القريب والبعيد وكل من يقصده فإنه يحصل على الدنيا والدين، وقد أمر طاهيه أن يذبح في كل ليلة شاة فلما رأى أنها لا تكفي جعل يذبح ذبيحتين ودائمًا يحثه على الزيادة في المطعم.
[ذكر تدريسه وسعة علمه]
كان له مجلس في بيته فإذا جلس للتدريس فإن العلماء والجهابذ وطلاب العلم يترددون إليه ويتعلمون منه، وكان لهم كهفًا ووالدًا ورئيسًا وجعل الله في تعليمه بركة حتى أنه ليؤثر نفعه في كل من جالسه ولو مرة واحدة، وجميع الذين تعلموا منه وتخرجوا عليه وفقهم الله للعلم والدين، حتى أنه ليرى على تلامذته ومجالسيه آثار البهاء والإجلال، وهذه بحوثه ومسائله وفوائده تطلعك على ما حواه من العرفان وانطوى عليه ذلك الجنان، فكان علماء نجد ونحاريرها ترجع في العلوم إليه