وفي ٢٩ وصل الموكب عشيرة التي تتناهى إليها طرق نجد كلها وتعلو أربعة آلاف قدم عن البحر، فأقام السلطان فيها يوما يستقبل الوفود التي جاءت من جهات الحجاز للسلام يتقدمهم القائد سلطان بن بجاد وفيهم عدد كبير من أشراف الحجاز وعظمائه، جاءوا لإستقبال السلطان وتقديم الطاعة له.
ثم أدلج الموكب من عشيرة مصعدين إلى قرية السيل وهو الميقات فأحرموا هناك وانحدروا في وادي السيل بين جبال جرداء ملساء سمحاء، فمروا بالزيمة وأناخوا في مكان يبعد ساعتين عن الأميال، ثم تقدموا بعد الظهر مكبرين ملبين، لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، ملأت تلك الجموع الشعاب، وتزاحمت بين الهضاب؛ وتصاعدت أصوات الملبين، فتصادمت في الفضاء، فرددت صداها الجبال والوهاد.
[ذكر قدوم ابن سعود إلى مكة]
لما كان في مساء الخميس ٧/ ٥ وصل جلالة الملك إلى الأبطح وحط رحاله في أعالي مكة، فأناخ ذلوله واستقبله هناك الأهلون بالتهليل والترحيب، وبعد أن استراح قليلا ركب حصانا وامتطى حاشيته ظهور الخيل إلى قلب مكة، فترجلوا عندما قربوا من المسعى ومشوا إلى الحرم فدخلوه من باب السلام وطافوا وصلوا وسعوا تلك الليلة، ثم عادوا إلى المخيم في المعابدة.
فلما كان من الغد في صباح الجمعة استعرض السلطان الجيش من خيالة ومشاة ثم جلس في السرداق الكبير الذي نصبته البلدية وفرشته بالطنافس، وحرقت فيه البخور، فاستقبل أولا الإخوان وكان منهم أناس كثيرون لا يعرفون الإمام فكانت المشاهدة الأولى، وقد تهافتوا عليه يصافحنوه ويقبلونه في خشمه (أنفه) وفي جبينه وهم يبكون من شدة الفرح والسرور، لم جاء من أهل مكة أعيانها وتجارها يسلمون ولم يفرق الناس بينه وبين رجاله لبساطة ملبسه وعظيم تواضعه، وهكذا يكون من أراد الملك فإن الملك بيد الله يؤتيه أهل التواضع والعدل