أعظم الأنس، وما أحسن ذلك الاجتماع، فاستمر على تلك الحالة دهرًا طويلًا، وينوب عن أخيه في القضاء بعض الأحيان إذا مرض ويقوم بصلاة الجمعة والأعياد في حال تخلف أخيه، فلما توفى الشيخ عبد الله أخو المترجم ولي الشيخ قضاء مقاطعة القصيم، وكان جلوسه في العاصمة بريدة كرئيس قضاة تلك المنطقة، وتولى إمامة المسجد الجامع والخطب والأعياد والاستسقاء، وقد ينوب عنه تلميذه عبد الله بن رشيد في الجمعة والأعياد، واستمر في تدريساته فكان قاضيًا وإمامًا ومدرسًا وخطيبًا، أضف إلى ذلك أنه غني كبير وله ثروة عظيمة.
[الباب الثالث: في مجالسه وتدريساته وما ناله من العجب العجاب]
جلس للتدريس وهو في سن الشباب، بل في عترته فالتف عليه الإخوان وصار غرة الزمان وأتته الطلاب من كل مكان، الأجانب والسكان، وانتفع بعلمه القاص والدان، فكان مفيدًا للمتعلمين ومرشًا للمستمعين، وشجا في حلوق المنافقين، وكانت الدروس التي يقوم بها كلها نافعة في غاية النفع، فكان إذا صلى الغداة جلس يقرأ ورده قليلًا ثم يلقي درس النحو والقواعد إلى طلوع الشمس، وغالب ما يدرس به في الآجرومية، وقطر الندى وبل الصدى، وملحة الأعراب، وألفية ابن مالك، ثم إنه يذهب إلى بيته للاستراحة والوضوء ثم يرجع إلى المسجد فيصلي تحية المسجد ويجلس في ناحيته الشرقية، فهناك الأمة مجتمعون لانتظاره والتلاميذ متحلقون، والمستمعون محدقون، وكان يحب أن يستفتح في تلاوة القرآن ثم يشرع الطلاب في العلوم الدينية حديثًا وفقهًا وتوحيدًا وأصولًا وفروعًا وآدابًا، ويحضر مجلسه من القراء والمستمعين ما يربو عدده عن ألف مسلم، وقل ما شئت من الازدهار والرغبة والإكباب على الطلب، وكانت الكتب التي يدرسون بها مثل المغني والشرح الكبير، والآداب الشرعية الكبرى، وصحيح البخاري ومسلم، والسنن والمسانيد، والمقنع ومختصره وشرحه، والعمدة في الفقه، ومدارج السالكين، والتواريخ على