بنعمة لم تحصل لأحد ولا للملوك، وقد يكون في بعض الأيام بأعلى كرامة، وفي بعضها بأدنى مهونة فلا يتأثر لذلك بل يصبر على حلو الزمان ومره، ولست أقول أنه كامل الصفات، بل كل بني آدم خطاء، غير أننا إذا سبرنا حالة أبناء الزمان فإنه من خيارهم، قد عافاه الله من أكل أموال الناس ظلمًا ومن أذية المسلمين، بل كان محسنًا إلى الفقراء ومكرمًا لرفقته، فقلَّ أن يصاحب أحدًا فتنقلب صحبته عداوة، وكان في طريقته للتعليم والإفادة أنه لا يجلس للتعليم فيتحلق عليه الطلاب، إنما كان يأتيه المتعلم فيجلس إلى جانبه ويمر عليه القطعة التي يريد أخذها من التوحيد، أو الفقه، أو الحديث وغيرهما فيفيده عن إعرابها ويوضحها ويبين له الغوامض من ألفاظها، وقلَّ أن يوجد أحد من أقرانه أو أقل منه سنًا إلا ويستفيد منه برفق ولين، ويتواضع لمن يتعلم منه.
وكان ينتابه الأصحاب والطلاب من كل قادم ومقيم فيجتمعون به ويظهر لهم الود والمحبة، وقد جعل الله له قبولًا ومحبة في قلوب الناس وذلك لما وقر في نفسه من التواضع وسعة الرأي بعد النظر، ولولا ما قام به من كراهته للرئاسة لكان له شأن غير هذا، بل كان ورعًا همه إصلاح دينه ونفسه وتهذيبها، وكان ذا أصل عظيم وبصيرة في دينه، وله يد طولى في علم الرجال والعروض.
[الباب الرابع: في علمه ومؤلفاته]
أما علمه ومعرفته فكان عالمًا بالتوحيد والفقه والحديث والرجال والنحو، ومن أشهر مؤلفاته رسالته المطبوعة بمصر المسماة الهداية والإرشاد إلى طريق الهدى والرشاد في هذا الزمان الذي عم فيه الفساد وضل فيه أكثر العباد وحرموا فيه السداد، وهي مفيدة تقع في ٤٠ صفحة.
ومنها تهذيب مناقب الإمام أحمد بن حنبل تأليف ابن الجوزي، وقد شطر ميمية الشيخ سليمان بن سحمان، وخمس أبيات ابن رجب في وداع رمضان، ومنها قصيدة في غربة الدين دالية تورد من أبياتها البعض وهي قوله: