فكان جواب السلطان عليها بالإيجاز هي أن شروطي الأخيرة أن لا صلح ما دام أبناء الحسين يتوارثون الملك في الحجاز، وأنتم تعلمون أن الحجاز للعالم الإسلامي لا يخص به طائفة من المسلمين على طائفة.
وكان الحزب الوطني قد بلغ القناصل والوكلاء للدول الأجنبية في جدة بتنازل الحسين، ورفعوا برقياته إليهم برهانًا على صدقهم، وإنما فعل الحزب الوطني هذه الأفاعيل العجيبة السريعة لأن الإخوان أحاطت بهم، وبما ان الجهود قد بذلت، فنظر إلى خيبة الأمل أيقن على أنه لا طاقة له على المقاومة في مكة، لأن جيشه لا يتجاوز أربعمائة جندي، فخرج منها ليلا على حين غفلة بما لديه من قوة، ذلك بأن شراذم من الجيش النجدي قد وصلت إلى قريب مكة في ١٥ ربيع الأول، فما بزغت الشمس يوم الأربعاء ١٦ ربيع الأول إلا وقد انتشرت الإشاعات في طول مكة وعرضها بأن الحسين قد ركب الباخرة، وأن ابنه الملك علي قد بارح مكة بجيشه إلى جدة ولا يعلم إذا كان ينوي البقاء فيها أم مغادرتها أيضًا، فهلعت القلوب ووقف كل رجل حيال داره، وأخذت بادية الحجاز القريبة من مكة تفد إليها، وهاجمت دور الحكومة لسلبها وكادت تسطو على البيوت لولا أن الشريف حمزة الفعر أحد أشراف مكة أخذ ينادي فيهم بأن البلاد في أمن ابن مسعود وأنه سيتوقع أشد الجزاء على كل معتد فهدأت الحال إلى حد ما.
[ذكر فتح مكة الرعب الذي ألقى الله في قلوب أهلها]
لما قرب الإخوان من مكة استولى على أهلها الرعب والقلق، لما كانوا يسمعونه عن الإخوان من أنهم قساة غلاظ كما نشرت الحكومة الهاشمية في الجرائد، وزادهم هلعا القادمون من الطائف حينما كانوا يرون أخبار عجيبة مخيفة فحصل لهم كالمأتم واشتد بكاؤهم، وفي كل دار استعداد للسفر إلى جدة بل قد جلا الأغنياء وأسرتهم، وأخذوا معهم أموالهم لأنهم ظنوا الإخوان سيفعلون بهم فعلهم بالطائف، حتى كان طريق جدة كالمحشر أطفالا ونساء ورجالا وصبيانا يحملون الطعام والنقود، وما غلا ثمنا وخفَّ وزنا، حتى جاء في نقل من رأها على تلك