فأقل جائزته ثم قدم بعده أمير أعراب صغير فأجزل له الجائزة، فعجب الحاضرون لهذه السياسة وابدأوا له شيئًا من ذلك لأن هذا يستحق من الإكرام على قدر قوته، وذاك يستحق على قدر ضعفه فأجاب: بأن هذا الكبير القوي نكله إلى علو درجته ونأمن تقلباته لأنه شريف معروف، وأما الثاني فإنه كالعصفور يضيع بين الشجر يشق عليه تعطفه إلا بالبذل، وكان يداري الناس ويعاملهم على قدر عقولهم، ويقول لمن يثق به يعلم الله أني لست بمداهن ولكني مداري، وأوصي ولي عهده عبد العزيز بن متعب ألا تعادي ابن صباح فإن يحاربك وهو على مسنده، وأوصاه بأن يحمل على الأعراب، ويثقل وطأته عليهم، فإن البدوي من عادته الظلم وأما الحضري فإنه لا يخطيء، وغالب هذه الوصايا وهو في مرض الموت، فأجابه ابن أخيه بقوله: مت ويكون خير، ولا قام من عنده أتبعه بصره وقال يا ويل نجد من عبد العزيز بن متعب وبدرته العبرة، والله لولا ما سبق من جعلي له ولي عهد لا جعلته، ثم مات، وكانت مدة إمارته عشرين سنة ومدة ملكه ثماني سنين.
[ذكر إمارة عبد العزيز بن متعب بن رشيد]
لما مات عمه ما كان بحاجة إلى سياسة، بل تولى الأمر بصلف وغرور.
ونذكر شيئًا من جبروته وغشمه الذي سيجازى عليه وما ربك بظلام للعبيد.
فنقول لما دفن عمه محمد بن عبد الله، كتب إلى بلدان نجد يخبرهم بأنه تربع على تخت الحكم، وأنه ليس لديه إلا الحافر وصنع الكافر أي الخيل والأسلحة النارية، وتحت هذه الكلمات أعظم دلالة على قوة نفس هذا الجبار العنيد، والفاجر المريد، لأن هذين هما آلة الفتك والتدمير.
وهذه صفته كان ربعة من الرجال بعيد ما بين المنكبين، قوي الساعد، مفتول العضد مستدقة، أشم الأنف، أشدق أدعج العينين، أزهر اللون، أصبح ذا لحية خفيفة حسنة، وله شارب ينثي طرفاه بذؤابة تشبه السيف أو الخنجر، كثير الطيب، نظيف الملابس، فصيح القول، جهوري الصوت، كثير الغضب، مقطب الوجه،