عيناه كأنهما شهابان من نار، مرهوب النظرة، قد أرخى كوفيته على وجهه، فوق عينيه، وفوقها العقال قد خفضه إلى نحو عينيه، ودائم التلثم، وكان بنيانه بنيانًا مكينًا كأنه قطعةً من حديد، فيه قوة الإعصار وصلابة الصخر، وجبروت المردة، وعناد النمر، وبطش الأسد، وكان فيه جبروت وكبرياء وصلف شديد.
ولما جلس على سرير الحكم خرج مرة والجنود منظمة من باب حائل إلى الرياض تحت السمع والطاعة، فجعل يقول من يذكر منكم مسيئًا أو مضادًا لآل رشيد، أو متحركًا وإن كان جرمه قديمًا؟ فقيل له هذا فلان يكاتب ابن سعود ويراسله، فأمر بأن يحضر بين يديه، فلما أن مثل بين يديه، وكان شابًا قد يكون أن صدر منه كتاب للسلام على آل سعود، فأقيم بين يديه وجعل يقول: هو فلان على التحقيق، فلما تحققه آتاه من خلفه وأخرج سكينًا من جيبه "مبراة"، فكشف له عن كتفه الأيمن فجعل يقد اللحم والعصب حتى سقطت اليد مع كتفها، وهل هذا إلا من الظلم والمبالغة في الأذى، نسأل الله العافية، ومن لم يراقب الله ولم يخف من سطوته ومقامه بين يديه، ولم يستحي من الخلق، ولم يصن عرضًا، فليفعل ما شاء.
ثم إنه أجلى المشائخ والعلماء، فنفى الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم إلى موضع يكون أهله من أجفا الخلق، لأن لا يوفق من يدرس عليه ويتعلم، وجعل منفاه إلى صبيح أو النبهانية، وتمتاز هاتان القريتان إذ ذاك بالجهل والجفا، ونفى معه ابنه الشيخ عمر بن محمد بن سليم، ونفى ابنه الثاني الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم إلى البكيرية، وعزل أئمة المساجد وأبدلهم بأئمة آخرين، وقطعت رواتبهم، وابتلى الله به أهل نجد، وزلزلوا زلزالًا شديدًا، وسبى أموال الأغنياء بعد ما أراد قتلهم، فأشار عليه بعض أهل بيته أن يسبي الأموال ولا يقتلهم، ولما رأى ذلك يوسف بن عبد الله آل إبراهيم خصم ابن صباح، قام مغتنمًا هذه الفرصة، وقدم على الحاكم عبد العزيز بن متعب يبغي له الغوائل وينصب له الحبائل، وجاء هذه المرة بخالد بن محمد أحد الموتورين بقتل أبيه وعمه، وجعل يحرض عليه ويهيج على حربه، وطلب المساعدة على ذلك، فوجد أذنًا صاغية سامعة، وصار معه على ابن