للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب السابع: في سجاياه وكيفيته وهيبته]

اعلم أن شيخنا أشهر من أن يذكر، وفضله أعظم مما يقال فيه وأكبر، وأخلاقه السامية تشهد بها الخلائق ولا تنكر، وذلك لرفعة قدره وعلو مكانته، وشهرته التي هي كنار على علم، فكان عاقلًا عقلًا طبيعيًا مراقبًا لله، منصفًا مداريًا، يؤثر السكون وعدم التشويش، وله غوص طويل على غامض الأمور، وله نظر في العواقب، فقلما يصدر أمر إلا وقد عرف غايته ومنتهاه، فلا جل هذا أصبحت تدابيره حسنة ومحمودة العواقب كما قيل فيه:

فسيرته في المسلمين جميلة ... وأفعاله محمودة في العواقب

فلا تكاد ترى من موظفيه وأفعاله إلا مطابقًا لما جعل له، وله فراسة عظيمة ورأي ثاقب.

وكان يتواضع من غير ذل، وله عزة نفس من غير تكبر، فأما هيبته فأمر عظيم حتى أنه والذي خلقه لتهابه الأمة أعظم من هيبة الملوك والأمراء، ولا يستطيع أحد أن يحد النظر إليه بل تهابه الملوك والأمراء والنظراء، ويهابه القريب والبعيد، وإذا جلس للتدريس فإن التلامذة قد أنصتوا كأن على رؤوسهم الطير، ولا ترى في مجلسه من يلتفت يمنةً أو يسرة، وإذا قضى بين الخصمين قاما راضيين مقتنعين، ويستطيع أن لا يكون للخصومة لغط ولا أصوات في مجلس الخصومة، وكنت في حال التدريس عند رؤيته أرى من الهيبة له شيئًا عجيبًا، وقد وعدني مرة أن يتفضل علي ويمنحني كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح، فكنت لا أطيق سؤاله عنها حتى بعث إليَّ يستحثني على أن ألقاه لأقبضها لئلا يسبقني عليها أحد، فسألت أهل بيته وأقربائه عما ألاقيه من هيبته فجعلوا يروون شيئًا عجيبًا من هيبته وأنهم أعظم هيبة له من بعيد الناس، ولعلي أكون أجرأ منهم عليه، وهذه صفته:

كان ربعة من الرجال، رزينًا، حاد المزاج، قليل اللحم، مستقيم الخلقة، عليه البهاء العظيم، وسمت العلماء، وقد كساه الله عز وجل ثوبًا من الوقار والسكينة، طويل الأنف مستقيمة، وفيه غنة يميل لونه إلى الصفرة، يؤثر الكسوة