وكان فقيهًا متواضعًا قويًا في أمر الله، له مقدرة على حسم مواد الشر ومعه تواضع ولين عريكة، وينزل الناس منازلهم ويعاملهم على قدر عقولهم.
قال مرة لبعض إخوانه: يا فلان تغافل عن شر الناس، إذا سمعت من يغتابك فقل لنفسك مكذبًا لها هذا ليس يريدني ويعنيني، وإذا رميت بحجر فقل لعل ذلك يريد الطيور فأخطأ به إليه، فإنك تستريح.
[صفته وأخلاقه]
كان شيخًا كث اللحية يخضب بالحناء، رزينًا أبيض أصبح ممتلئ الجسم، مربوع القامة، طلق المحيا، عاقلًا، مهيبًا من دون بغض محببًا من دون ضعف، عليه شعار البهاء حتى كأنه الشمس بين عينيه، رحيمًا بالضعفاء والمساكين، فأما عقله وسمته فوا الذي خلقه ما رأيت قبله ولا بعده أعقل منه ولا أسمت منه، وإذا مشى في الأسواق والشوارع فلو أنها تدكدكت الجبال من خلفه لما التفت إليها.
وكانت ولادته حوالي ١٢٨٧ هـ، فأخذ العلم عن والده الشيخ محمد بن عبد الله، والشيخ محمد بن عمر، وأخذ عن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وجدَّ واجتهد حتى نال درجة عالية في العلوم، ودرس في التوحيد والفقه والحديث.
فلما كان في صدر ولاية عبد العزيز بن متعب بن رشيد وشرد أهل الدين وشتت شملهم كان المترجم مبعدًا من بريدة إلى البكيرية، ولما أن لبث بها عشر سنين لا يخرج إلّا لزيارة والده الشيخ محمد، عين في قضاء بريدة كما أسلفنا، وكان مسددًا في قضائه وأجوبته، مسددًا في سائر أعماله، وجاء إليه أهالي القصيم لما أن أراد الملك عبد العزيز أن يؤسس محطة اللاسلكي في بريدة مستنكرين لذلك، فلما أن كلموه في الأمر ليأخذوا رأيه فيه قال لهم برفق وحكمة: يا أولادي إياكم والشقاق، فلا خير فيه، يا أولادي إن ابن سعود ملك نسأل الله أن لا يسلطه علينا، فادعوا له واسألوا الله له الهداية، فقاموا من عنده وقد طابت أنفسهم يقولون: إن الشيخ أعلم منا وأتقى منّا لربه، وما كان لهم بعد مقالته التفات.