إذا جاءكم الخبر بمسير الشريف إلى مكة فالزموا مساكنكم إلى أن يأتيكم مني أمر آخر، وإذا علمتم بأنه تجاوز حدود تربة فإني أذنكم أن تفضوا كتابه وتقرؤه فترون فيه رأيكم، فما كانوا بحاجة إلى استماع كتاب الأمير وقد سمعوا كلماته من فم النجاب، ولكن العالم عمل بالأمر العالي فصاحوا وهو يتلو الكتاب عليهم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
[ذكر الهول في وقعة تربة]
لما كان في آخر اليوم ٢٤ من شعبان زحف الإخوان في الساعة الحادية عشر مساء، وقد كاد الواحد منهم يطير عقله غضبًا وانتقامًا، وكان عددهم ألفًا وخمسمائة مقاتل، وقد استبسلوا كأنهم الأسود لهم وجبة عظيمة:
هبت هبوب الجنة ... أين أنت يا باغيها
ولما أن زحفوا بهذه الصفة جاء منذر من البادية إلى الأمير عبد الله يقول:
تحذر يا شريف المتدينة في الخرمة هاجمون عليكم، فغضب الأمير وأمر بقطع عنق الرجل، وفي رواية أنه أمر "دخنًا" كبير عبيده بضربه فضربه حتى مات، كل ذلك استصغارًا لخصمه، ثم نام الأمير تلك الليلة مطمئن النفس خالي البال تحدثه نفسه بالأماني والملك الواسع.
وكان الإخوان قد علموا من رسول ابن سعود كيفية توزيع جيش الأمير، فانقسموا إلى ثلاث فرق قبل أن يصلوا إلى نخيل تربة، فرقة خيالة، وفرقة خالد، وفرقة ابن بجاد.
وكان ابن الشريف قد ربط أهل المدافع والكائن حولها بسلاسل الحديد لئلا يفروا عند نازلة وتجبر بزعمه فلا يقاومه أحد.