الجلية والمواهب الربانية، وما زال المترجم يجدّ في طلب العلم حتَّى أصبح منتظمًا في سلك أهل الدين، ومنتميًا إليهم، ومحبأ لهم، ومقدرًا ذلك لمكارم أخلاقه وعلو همته ونبل معرفته، وكم لهذا الرجل العظيم من مآثر في الإسلام ودفاع عن الوطن، وجهاد في تقدمه، ونجاحه بما كان به موضع الإعجاب من بين سائر البلدان، وإن بلادًا يقوم بها رجال الدين والبصيرة والعلم والمعرفة لجديرة بالنجاح والتقدم والرقي وبلوغ شأو العلى والمفاخر.
[ذكر شيء من مقاماته التى بذل مهجته فيها لمصالح الأمة]
لقد قام ابن مشيقح هذا وزميله الرجل العظيم فهد بنُ علي الرشودي بأمور هامة، وكان له رأي ومعرفة وتجربة، وله جاه عند الملوك والأمراء فيسمع له ويطاع، ويتمشى على ضوء آرائه وأفكاره، وبلغت به همته أن كان من أكبر الزعماء في القصيم.
فمن ذلك لما كان قبيل واقعة السبلة المتقدمة بين صاحب الجلالة وبين البغاة من البدو أصحاب الدويش وابن حميد أبدى حكمًا وآراء جميلة، فإنه خرج هو وفهد بنُ علي واتفقا بصاحب الجلالة فطلبا أن تكون الواقعة مؤجلة بعدما عزم صاحب الجلالة على القتال سنة ١٣٤٦ هـ فأُجلت إلى السنة القادمة، وطلبا أن يكون ميدان القتال حوالي القصيم وذلك لإمداده بالمياه، وخشية أن يقطع عليه العدو خط الرجعة، فنزولًا على الرغبة وافق على هذا الرأي، وبذلا مهجهما لطلبه فكان لا ينساها لهما، وجعل الله في ذلك النصرة وحسن العاقبة، وكان الملك الراحل يستأنس بآرائه ويميل إليها لنصحه ومعرفته، ولقد قام على أنجاله فهذبهم وثقفهم ورباهم أحسن تربية كانوا بها طلاب علم يسعون في الطلب ويدأبون في نيل الفضائل والعلم، وأبان لهم ما ينبغي لطلاب العلم أن يتصفوا به حتَّى كانوا هبة من الله تعالى أقرَّ بها عينه.
وقد قام في عمران مسجده الكبير الواقع غربي بريدة واستجلب إليه طلاب العلم، حتَّى مرَّ عليه طور وله كضيض من الزحام، فامتلأ بطلاب العلم وطلب من