للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الرياض وهو في سن العشرين من عمره يريد الأخذ عن علمائها وكانت الرياض إذ ذاك زاخرة بالعلماء.

[ذكر صبره واحتسابه]

لمَّا عزم على السفر كان لا يملك من أهبة السفر شيئًا ولم تكن أسرته لتساعده على نفقات الغربة أو تشجعه على السفر للطلب فما كان إذ ذاك سيارة ولا طيارة إن هي إلَّا ركوب على الإبل أو الحمير يركب تارة ويمشي أخرى على القدمين حافيًا أو ناعلًا ذلك أَنَ الأمة إذ ذاك في حالة فقر وقلة من الرغد أضف إلى ذلك محنًا وإحنًا تترادف وتزداد يومًا فيومًا، وبالرغم من ذلك فإنَّه تلقى تلك العقبات بفارغ الصبر ويمم شطر الرياض محط أنظار طلاب العلم لازدحامها بعدد وفير من العلماء، فقدمها وواصل دراسته وأخذ يتصل بالعلماء ويتنقل بين حلقات الدروس ويستغل الوقت ما أمكنه ذلك وكانت أحاديثه التي يرويها لمن يحدثه عن حياته التي عاشها من قسوة وخشونة عيش وكلفة ومشقة تكفي لأن تَفتَّ من عزمه لولا أنَّه عقد العزم على أن ينذر نفسه للدرس والتحصيل مثال ذلك أنَّه حدثني بعض الثقاة أنَّ خمسة من طلاب العلم قرموا على اللحم فاشتروا (قصابه) وهي عبارة عن رأس الكبش وكرشه والأكارع جمعوا من بينهم القيمة التي تقدر إذ ذاك بريال واقترحوا بأن يخرجوا بها إلى الفلاة لئلا يستنشقها الجيران فيشاركوهم فيها وكانوا كلهم عميًا، فسعوا وجمعوا لها حطبًا ولما اكتمل الحطب كانت الوليمة لم تنضج فذهبوا يمنة ويسرة لطلب الحطب، فأضاعوا موضع قدرهم وما زالوا يلتمسونه حتى وقعت إحدى أيديهم عليه فتنادوا إليه ولما أن أرادوا أن يضرموا النَّار أسفل القدر إذا بصوت أغنام أقبلت من بعيد إليهم، فخافوا أن يزاحمهم الراعي وأكلوها وهي نيئة لم تنضج: فخذ أيها القارئ ما شئت من ضيق هذا العيش وقساوة الحياة. اللَّهُمَّ فشكرًا لك حتى ترضى وشكرًا إذا رضيت.