لما أن غادرنا بلد الوجه شاكرين لأميره وموظفي الدولة هناك حثثنا السير متوجهين إلى ضبا التي كنا قديمًا نسمع بها وذكرنا أشياء عنها في أواخر الجزء الثالث من هذا التاريخ بمناسبة حركة حامد بن رفادة والقضاء عليها. فنقول: في أثناء مسيرنا مررنا بواد قد أجدبت أرجاؤه ويبست أشجاره وتحطمت من قلة الأمطار وتكفأت فكنا نسير فيه بقدر من ثلاث كيلوات ونحن لا نرى إلا هشيمًا أسود، لكننا لما جزناه مررنا بحرة فيها بيوت من الشعر ضعيفة ووجدنا من بين تلك البيوت أعرابيًّا يرعى غنمه قد جعل الحنجر في محزمه، لكنه لما رأى على بعد سيارة فيها السيفان والنخلة أدار خنجره إلى جهة دبره واستقبلنا متواضعًا فدعوناه وقدم ذبيحة معز إكرامًا لنا وتقديرًا لرجال الحكومة، لكننا رفضنا قبولها إلا بقيمة فاشتريناها مقدرين له أدبه وسرنا بقدر من ست كيلوات حيث أوقفونا على آثار آبار قد اندفن بعضها وهي أربعة يطلقون عليها اسم آبار عنتر بن شداد وفي الحجارة حولها آثار حفر في الصخر يزعمون أنها آثار فرسه في حوافرها ولكنها فيما يظهر خرافة ولا يمكن أن تبقى له هذه الكرامة، وكان بعض تلك الآبار فيها مياه وهو إليها جابية للماء تدرها ثلاثة عشر مترًا مربعة كل جهة بهذا القدر مطوية بالحجارة وإلى جانبها جابية أخرى بقدرها قد تهدم بعض حيطانها مساحة الحائط أربعة وعشرون سنتم وحوالي تلك الآبار أعراب يسقون أغنامهم ففرحوا بنا وهم خائفون لرؤية تلك الأبهة من أن نكون مصدقين أو عمال التزكية وجعلوا يعرّضون يضعف الحلال غير أنا أخبرناهم أننا غير مصدقين ثم تجاوزناها حتى ألجأنا المقيل إلى ظل شجرة فنزلنا بها لنستريح وبينا نصلح طعامنا جاء أحد الرفقة بشيخ هرم قد لفحته الشمس وتركه الزمان ممزق الثياب يحمل مزوده على ظهره ويمشي على قدميه قد عصب رأسه بغترة من الصوف الأبيض الزركش، وكان يسير فإذا ما تعب جلس يستريح على المزود حتى وصل إلينا فسلم وقلنا له وعليكم السلام