للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر محفوظاته وسعة علمه]

كان قد حفظ القرآن عن ظهر قلب، وحفظ مختصر المقنع، والعمدة، وألفية ابن مالك في النحو والصرف، وملحة الإعراب، ومن الأجرومية والبيقونية والجزرية، ومفردات الذهب، وإذا أخذ يلهج في قراءتها بقوة وشجاعة ونهمة في الحفظ، وجذ واجتهاد فإنه لا يوجد له مثيل، وأقسم بالله ما رأيت قبله ولا بعده إلى موضع هذه الكلمات مثله في الاجتهاد فكان آية من آيات الله في الجد والاجتهاد، وحدّث عن البحر ولا حرج، ذلك بأنه عشق طلب العلم فكان لا يشبع من العلم لفرط نهمته فيه، وشدة رغبته في تلك البضاعة، ولله حكمة في وفاته فإنها من قبض العلم الذي أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

وأما في الإفتاء وبيان الحلال والحرام فقد خسرته أمة الإسلام، فكان إذا ذهب إلى بيته أو جلس فيه فإنه لا يكاد يستريح من كثرة السؤال، ولا تزال النساء ببابه يسألنه عن الحيض والنفاس والصلاة والنجاسة والطهارة، ومن عادته حب الكتب وخدمتها وتقليبها، ولا يثق أحدًا عليها، فكان إذا ناول من يراجع له المسائل يجعل يده أسفل الكتاب، ولا يعير شيئًا من كتبه ولو أدى الأمر إلى أكبر ضرر، ولقد طلبته إعارة كتاب أسبوعًا فابى، فتوسلت إليه بكل حق فأبى وأقسم بالله بعدما طلبته يومين أن لا يعيره ولا ساعتين، وكان يحب البحث ومعرفة الخلاف، ولما سمع عبارة البهوتي في شرح مختصر المقنع وهي قوله: "فلم أتعرض للخلاف طلبًا للاختصار" قال: يا ليته تعرض، ولبث مرة يفسر الترجمة التي في كتاب التوحيد قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبا: ٢٣]، فأطال حتى أتم ثلاثين دقيقة وقيل له إن من التلاميذ من لا يلم بالإطالة في التفسير فلو اختصرت له، فقال: إني أفسر لأفيد نفسي والحاضرين، وقرأ عليه طالب علم في القرآن الكريم، وكان الطالب هذا موسومًا بالصلاح فلا يتمالك من البكاء في القراءة فتحرج لكثرة وقوفه، ولما