علم بما أوقفه وجعله لا يستمر كان يراعيه ويأخذ له إناءة حتى يخلص وهو يسأل الله الذي رزقه الخشوع أن يمن على من لا يخشع، ومن العجب أن كل من قرأ عليه وأخذ عنه أو غالبهم فإنهم أهل صلاح، وتمسك في الدين، ولهم علم ومعرفة لبركة مساعيه وحسن نيته، وإذا منَّ الله على عبد فليفعل ما شاء من خصال الخير.
[ذكر مقدمات وفاته]
رأى بعض الصالحين قبيل وفاته قمرًا مبدرًا توسط السماء ثم غاب فإذا خلفه قمر آخر ضعيف النور، فقصت عليه الرؤيا قبل مرضه فقال: الحمد لله إذا لم يفقد النور، ورأى بعض الصالحين مصباحًا مضيئًا في المسجد الذي كان يدرس فيه، فبينما الناس يمشون في ضيائه إذا انكسرت زجاجته وانطفأ فكان الناس بعده في ظلمة، فأولت بوفاته رحمه الله، ومن رأى سبقه وتقدمه ونهمته في التدريس وغربته تيقن أن ذلك لا يطابق حالة الزمان، والله المستعان، وكان مرضه خمسة عشر يومًا انحبس فيها عن الخروج، وفي ثالث الأيام علم أن بدنه في انحطاط، وجوفه متألم لأن ألمه في جوفه، وفي اليوم الثامن اصفر وجهه وأكثر لزوم الفراش وجعل يقول: الحمد لله الذي له تمام الإرادة، وكل خلقه فقراء إليه، وفي الثاني عشر جعل يسأل الله حسن الاختيار له، فلما كان في مساء الخميس الموافق ٩ صفر قال لمن حوله بفصاحة ونشاط: إني لا أعلم ما يجري علي ولكن إذا أراد الله الوفاة فلا يغسلني غير فلان لصديق له من أحبابه وخاصته ألا وهو الأخ عبد المحسن بن عبيد، فلما كان السحر من يوم الجمعة ١٠ صفر توفى بداء الغاشية وانتقل إلى رحمة الله مخفًا من الدنيا واستراح من همومها وغمومها، وفجعت به الخليقة وبكته مجالس الذكر، وشقت عليه أقلام الشعراء في المراثي، وصلي عليه في المسجد الجامع في بريدة، ودفن في المقبرة الجنوبية فلاجة، وحضر جنازته خلائق كثيرة، ومما قيل فيه من المراثي ما رثاه به الأخ عبد المحسن بن عبيد الفاضل المشهور: