السرايا، ويكاتب أهل البلدان ويكاتبونه، وتفد الوفود إليه والضيوف عنده والداخل والخارج، فإنه يرجع إليه فلم يزل مجاهدًا حتى أذعن أهل نجد وانقادوا للحق وتابعوه وبايعوه، فعمرت نجد بعد خرابها، وصلحت بعد فسادها، ونال الفخر والملك من آواه، وصاروا ملوكًا بعد الذل وضيق الجاه، وأمد الله أهل الدرعية بجنده، وساعدهم بالعز والقبول، حتى أصبحت إذ ذاك مركز الدائرة، وتوالت عليها الفتوحات وترادفت إليها البركات، فكانت موضع الإعجاب والبهجة والنعمة والسرور والازدهار، بحيث يعجز عن عد صفات القبول عليها اللسان، ويكل عن التعبير عنها البيان، وسنلوح لذلك عن قريب.
[ذكر علو قدره وإسناد الأمور إليه]
كان آل سعود قد أسندوا الأمور إليه فكانت الأخماس والزكوات، وما يجيء إلى الدرعية من جل الأشياء ودقها تدفع إليه فيضعها حيث شاء، ولا يأخذ الإمام عبد العزيز ولا غيره من ذلك شيئًا إلا عن أمره، وتدبيره فبيده الحل والعقد والأخذ والإعطاء والتقديم والتأخير، ولما فتح الله الرياض ورجف بدهام بن دواس أحصي الدين الذي في ذمة الشيخ مما يبذله لله، وفي إظهار دينه وإعلاء كلمته، فبلغ ألف محمدية فقضاها من غنائمها، وكان لا يمسك على دينار ولا درهم، وجميع ما يرد من الأخماس والزكاة وغيرها، يفرقه في أوانه ويعطي العطاء الجزيل بحيث أنه يهب خمس الغنيمة العظيمة لاثنين وثلاثة، وكان لا يرسل جيش ولا يصدر رأي ولا تدبير من الأمير محمد وابنه عبد العزيز إلا عن رأيه وأمره.
وبالجملة فبيت المال أمره إليه قد فوض إليه أمره وأسند إليه شأنه.
فلما فتح الله الرياض واتسعت ناحية الإسلام، وأمنت السبل وانقاد كل صعب من حاضر وبادي، جعل الشيخ الأمر بيد عبد العزيز بن محمد بن سعود، وفوض أمور المسلمين وبيت المال إليه، وانسلخ منها بعدما أسسها ولزم العبادة، وتعليم العلم، ولكن عبد العزيز ما كان ليمضي بأمر دونه، ولا ينفذ شيئًا دون إذنه