الحمد لله الذي ذلت لعظمته العظماء؛ وكلت عن الإحاطة بكنه معرفته أفهام الأذكياء؛ ووسع علمه أهل الأرض وأهل السماء، الله لا إله إلى هو له الأسماء الحسنى، جلّت صفات ربوبيته ونعوت وحدانيته فلا تحصيها بلاغة الفصحاء، واحتجب في هذه الدار عن الأبصار وقدر السعادة والشقاء على أهل الجنة والنار، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما.
فسبحانه من إله تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره متوحد في العز والبقاء، وسبحانه من متصرف دبر الأزمان والدهور، وعاقب بين الأيام والشهور، وأباد الأمم الماضية على توالي العصور، وقدر ما يكون من الحوادث وقضا، وتعالى مليك قهر حكمه الجبابرة، وكسر الأكاسرة؛ فلا مفر عن حكمه، ولا محيد عن أمره، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى؛ وهم من خشيته مشفقون، أحمده حمدًا يفوق العد والإحصاء.
وأشكر على ما أولاه من الفضل والعطا وأسداه من الآلاء والنعماء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله كسر المتجبرين؛ وجبر المكسورين؛ وجمع المتفرقين، وفرق المجتمعين، وأغاث الملهوفين، وتطاول بفضله على سائر العالين فسعت نعمته إلى جميع الأحياء ووسعت رحمته كل الأشياء.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، والخليل المجتبى والحبيب المرتضى، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء والسادة الأصفياء وسلم تسليما.
أما بعد فكما أن الله جعل هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وعبرةً لأهل العقول من ذوي العرفان، وقنطرة عبور لا مسكن حبور، كما نرى ذلك ونشاهده من ذلة عزيز، وسقوط رفيع، وفقر غني، وغناء فقير، وأخذ مولع بزخرفها على غير