ثم أخذ ينشر الدعوة، ويحذرهم من بطش ذي النقمة والسطوة، ولكن أين الثريا من يد الملتمس، قد انعكست قلوبهم وعمي عليهم مطلوبهم، لسان حالهم ينادي أنترك يا سفيه الرأي فحل الفحول، والغار الفلاني الذي لجأ إليه فلان فشفى مريضًا؛ والشجرة الفلانية التي ما قصدها أحد فخاب، فما أنت إلا سفيه لا تحترم الأولياء ولا تتأدب مع الأنبياء، ويلك يا ابن عبد الوهاب ما أكبر جراءتك؛ فلما رأى هذه الحالة لم ييأس من هداهم؛ ولم يدع نصحهم، وعزم بأن الدين لا يزول كما زال فيما مضى، ولكن من أين المساعد وأين المعاضد من حماة الدين، وحزب الله الموحدين، فيا طوبى له من وحيد على كثرة الجيران، ومن غريب مع كثرة السكان بين أناس رؤيتهم حمى الأرواح، وغيض القلوب لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا.
ولما تجرد للدعوة، وعرفوا ما يريد، نصبوا له الحبائل، وبغوا له الفوائل، واختلقوا له المشاكل، وأجلبوا عليه بخيلهم وأرجلهم وصاحوا به من أقطار الأرض مشدد ساحر، غالٍ، كذاب، كاهن، وشوهوا سمعته، وقامت عليه قيامتهم، وشنوا عليه غارتهم، ذلك بأنه دعاهم إلى ما يخالف تلك العادات، ولا تلائم طبائعهم التي عاشوا بها على الكفر والشركيات، قد خلعوا من رقابهم ربقة الدين، وسلكوا سبيل الهالكين، وتعلقوا بالأولياء والصالحين، ونسوا مولاهم رب العالمين، نسوا الله وذكروا الجمادات، وولعوا بما لديهم من التخيلات والحكايات والمنامات، وأغشتهم العوائد والمألوفات، وصدتهم الشبهات والجهالات عن نيل الهدى من النصوص المحكمات.
[ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع]
قد أحببنا ذكر شيء من غربة الإسلام، واندراسه بين الأمة لتعلم ما لهذا الشيخ الذي أقام الله به معالم الملة، وكشف به البدع والضلالات، فأما أهل نجد فلا تسأل عما هم فيه، إذ ذاك من الغباوة، فقد كانوا في بدع مظلمة، وفتن مدلهمة، وقد أعيت مشكلتهم الأطباء وأمثالهم، إذ ذاك كثير، إن أهل نجد قد بالغ الشيطان في كيدهم