وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبل ... عليها اعتقادي يوم كشف السرائر
وأيضًا: فإنه كان على ثقة بربه عز وجل ويعلم أنه من كان مع الله كان الله معه ومن قام لله قام الله معه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: ٤٠].
وكان قويًا بأمر الله تعالى، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يستشعر الخوف ولا اليأس معلقًا آماله بالله، ولقد قام في زمن عاد المعروف فيه منكرًا والمنكر معروفًا والسنة بدعة والبدعة سنة، نشأ على هذا الصغير وهرم عليه الكبير، وقد طبق الشرك مشارق الأرض ومغاربها إلا من شاء الله، قد ملأ الشرك الأقطار وعم القرى والأمصار، وملأت البدع الفيافي والقفار، فأراد الشيخ أن يكون داعية إلى الله وإلى كتابه ورسوله، وما عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، لأنه حنيف موحد وإمامه الرسول، جعل يدعو إلى التوحيد وإفراد الله بأنواع العبادة، وخلع عبادة ما سواه، مبينًا أن تلك الجمادات التي يعبدونها، والأموات لا تجلب خيرًا ولا تدفع ضرًا، وما النفع إلّا بيد الله الذي لا يرزق سواه، ولا ينفع غيره صارخًا بالدعوة:"أيها الناس هلّموا إلى ربكم وأفردوه بالعبادة"، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[يونس: ١٠٧]، فما كانت هذه الأشجار لتجلب نفعًا أو تدفع ضرًا، وإن الميت لا ينفع نفسه فضلًا عن أن ينفع غيره؛ وكان لنجد من الشرك الحظ الأوفر فكان لما دعاهم إلى ذلك عود الشجا في حلوقهم، وحنظلة في أفواههم، فما كان لصرخته مجيب، ووافقت آذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، وزين لهم الشيطان عبادة الأشجار والأحجار، والقبور والبناء عليها، والتبرك بها، والنذر لها، والاستعاذة بالجن والشياطين، والذبح لها، فكانوا في نجد يضعون الطعام للجن في زوايا البيوت، يطلبون شفاء مرضاهم وكشف بلواهم.
قلت يا عجبًا لأمر المشركين حيث أعمى الله بصائرهم {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[المائدة: ٤١].