للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا شيخ أنا في غاية المحنة لقد قدمت الدولة وتتابعت المحن وترادفت أسباب البلاء وقد بلغت بي الحال إلى أن أتمنى الموت؛ فأجابه الشيخ قائلًا له تفريجًا لكربته وتطمينًا لنفسه، يا أخي هل أنت تتصرف في الخلق والتدبير أم الله عز وجل هو المتصرف في خلقه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد الخلق يا ولدي له مدبر وتدبير الله لنا خير من تدبيرنا آمنا بالله، فقام الرجل منشرح الصدر مطمئن البال راضيًا بتدبر الله مفوضًا إليه الأمر.

فانظر يا أخي وفقني الله وإياك إلى كلام هذا العالم الموفق وإلى ما أرشده إليه حيث دله بعلمه وعقله إلى ما يستريح به من عدم تدبير نفسه وتدبير العالم وأن الله هو المدبر لا شريك له، فلو أن الإنسان رضي بأقدار الله وأقضيته لاستراح من هموم كثيرة، وهذا معنى ما ذكر عن بزرجمهر الحكيم أنه لما حبس وضيق عليه في أمر المأكل والمشرب زاره بعض أحبابه وإذا به لم يتأثر فسألوه عن ثباته وصبره فقال إذا لم أصبر فكيف أصنع إني لا أعين عدوي على نفسي بالجزع.

وكان من صفة ابن فداء أنه ناحل الجسم دائم السكينة وكان خائفًا متواضعًا كأن النار أمامه تهابه الأمة وتحبه وترجع إلى أقواله، فنسال الله أن يتغمده برحمته ويسكنه في جنته.

[ذكر صدقه في معاملته لربه وثقته به]

لما كان في زمنه شقاق ومخالفات وجهاد بالسيف والسنان والحجة واللسان اختفى في بيته فجاء إليه بعض المنافقين ليعذبوه على حين غفلة من الناس وقدموا واحدًا منهم على رأسه عمامة وقد ارتدى بعباءة برقاء فاستأذن الشقي عليه متسمًا بوسم أهل الديانة والفضل، وقد اختفى أصحابه خلفه ليفتكوا به فلما أن سمع الشيخ بالاستئذان الشرعي خرج فساعة خروجه جذبوه يريدون تعذيبه فأنقذه الله منهم ولم يصل إليه منهم شر وكفاه الله مؤنتهم.