للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما أن قدم عبد العزيز بن رشيد بريدة حال كونه حاكمًا في نجد تلقاه وجوه الأهالي وكبراء الناس يهرولون للسلام عليه واستقباله فلم يحضر الشيخ معهم، ولما أن فرغ الحفل سأل هل بقي أحد من الأعيان لم يفد إليه فقيل له بقي عبد الله بن فداء فجعل يبحث عنه حتى قيل أنه زاهد ولا يحب الخلطة بالناس وجعلوا يروون له عزلته وانفراده ولكنه اغتنمها أعداء الله ورسوله قائلين له أنه يبغض بيت آل رشيد، وما منعه إلا الكبر والاستخفاف بحقك أيها الحاكم فبعث إليه ابن رشيد من يخبره بأنه سيأتيه بنفسه لرؤيته والسلام عليه في بيته فخجل المسلمون وخافوا عليه من سطوته، ذلك ابن رشيد الذي لا تؤمن عقوبته فخرج على حصانه بين العبيد والرجال مغيطًا محنقًا لا ملئ به صدره من المسبة ولما أن وصل إلى بيته استأذن عليه فلم يسعه إلا الخروج إليه فخرج وعليه غترة قد طواها على رقبته كبيرًا نحيف البدن فلما رأه ابن متعب رق لحالته مع ما به من العنف والغلظة والجبروت وكاد أن يبكي فقال ابن رشيد لما رآه على تلك الصفة "حسبنا الله عليكم يا أهل القصيم فلو أن أحدًا سلم منكم لسلم هذا الشيخ" ثم سلم عليه فلم يزد في الرد على قوله الله يعافيك فتكلم ابن رشيد قائلًا ما لك يا شيخ لم تزريا للسلام علينا، فتكلم قائلًا نحن مقتصرون لا نأتي ولا نؤتى فقلبه الأمير إلى بيته ولم يصل إليه منه شر ثم عاد ابن رشيد إلى قصره، ولما أن قرب من القصر بعث إليه خادمًا بثلاثمائة ريال وقال له قل له يقول الحاكم هذه من النفقة الطيبة التي ادخرها لوالدتي فليتعاون بها على مؤونة الدنيا وأكد على الخادم أن يسلمها إياه فإن رجع بها قتله فجاء الخادم يحملها إليه، ولما أن استأذن ناوله الدراهم والوصية فأبى أن يقبلها فجعل الخادم يعالجه لقبولها فقال للخادم ردها عليه وأخبره أنا بخير ولما أبى وأصر على عدم قبولها استعان عليه الخادم بأحد إخوانه المجاورين له وأخبره أنه إذا رجع بها سيقتله فعرض عليه تلميذه أن يأخذها فأبى وقال للخادم خذها فهي لك أنا لا أريدها وقال لصاحبه اذهب أصلحك الله إلى أهلك فخجل الرجل وعاد بها الخادم يحملها إلى ابن رشيد ليخبره بعدم قبوله لها فلما أخبر سيده قال هذه المقالة "سلم منا" يعني الشيخ ابن فداء.